يوم نزلتُ من العرش




نزلت من بيتي أمس دون ارتداء السترة الواقية من الرصاص, ترجلّت على قدميّ و لم أستقل السيارة المصفّحة, لم يحط بي أحد من المرافقين أو الحرس الخاص..خرجت من بيتي دون موكبٍ يمتد عشرات الأمتار, سرت بين الناس كفرد عادي, لا يميزني عنهم سوى خريطتي الجينيّة, بصمات أصابعي, طريقتي في التدخين, و رغبتي المحمومة في البكاء على كتف أحدٍ ما.. لا أعرفه و لا يعرفني..
لم أتوقف عن السير, لم يزعجني الزحام و الضوضاء و لا رائحة الهواء, كنت أشعر بارتياح و اتزان داخلي افتقدته طوال عمري, لم أشعر بنظرات تخصّني, حتى طريقتي في التدخين لم تسترع انتباه أحد من الكتل البشرية التي كنت أسير بينها, و بالتدريج بدأت أشعر بأنني مجرد جزء من كتلة, يزداد ارتياحي.. و يزداد ارتياحي أكثر كلما أحسست باتساع و امتداد الكتلة التي أنتمي إليها.. بدء هرمون الارتياح يتحول تدريجياً إلى هرمون السعادة.. نعم أشعر الآن بسعادة لا أستطيع وصفها...
أحسست أن" رغبتي المحمومة بالبكاء على كتف أحد ما لا أعرفه و لا يعرفني" قد اقتربت كثيراً من التحقق..
و سبحان الله, في تلك اللحظة التي كنت أردد فيها هذه الرغبة على مسامع احتياجي, لمحتُها على الرصيف المقابل, سمراءَ في أوائل العشرينات, ملامحها هادئة صافية, لا ترتدي حجاباً, كانت تبتسم لي, بادلتها ابتسامة, تركتُ كتلتي, و تركَت كتلتها, التقينا على الجزيرة الرصيفية الضيقة التي تتوسط الشارع الذي كان يفصل بيننا.. لم أشعر للحظة واحدة أننا بحاجة لإلقاء تحية, أو حتى لصفصفة الكلمات.. اقتربتُ منها و اقتربَت مني, احتفظنا بابتسامتينا, و زادت عليهما في عيني و عينها دمعتان لمعتا في زمن واحد, بدا كل شيء و كأنه توقف من حولنا, كأننا مركز جاذبية مجرّة لم تولد بعد.. تسارعت دقات قلبي و تضاعف صداها مع دقات قلبها, كان تزامناً و تآلفاً سحرياً يجعل من خفقتين خفقة, و من دمعتين دمعة, و من ابتسامتين ابتسامة.. يا الله, ما هذا الإبداع, ما أجمل أن يتحقق كل ما أتمناه بهذه السرعة... سأميل برأسي على كتفها, و سأظل أبكي و أبكي, سأظل أبكي على كتفٍ لا أعرفه و لا يعرفني.. سأولد من جديد..
ملت برأسي على كتفها, و مالت برأسها على رأسي.. قبّلت رأسي.. و قبل أن يبدأ طوفان بكائي و طُهري.. شعرتُ بشئ يخترق قلبي, لم يؤلمني كثيراً, لم أشأ الخروج من وهج هذا الحنين, رفعت رأسي لأري ابتسامتها من جديد, لكنها بدت مختلفة هذه المرة.. بدت ابتسامتها تحمل مفردات جديدة, تشبه السخرية, و النقمة, و الكراهية, شعرت بكياني ينتفض, وضجيج الشارع يصم أذني.. و كتل البشر التي كنت أذوب فيها منذ دقيقتين ترتسم على وجهها نفس مفردات ابتسامة السمراء التي كنت أوشك على البكاء على كتفها..
شعرت بالألم الصغير في قلبي يتوحش, يمزّقني..قدماي تعجزان عن حملي.. السمراء تحدّق بي و من حولها تلتحم الكتل جميعاً فتصبح كتلة ضخمة من بشر يحدقون في عيوني, يبتسمون, يتمتمون, و يلعنونني..
امسكت بالسكين, اقتلعته من قلبي, وضعته بجانبي فوق بحر دمائي التي سرى فيها هرمون السعادة و الذي كان يوشك على التحول إلى هرمون الاكتفاء..
ناديتها باسمها: "تعالي يا سمراء", لا زلت أريد البكاء على كتفك..
أجابتني: تعجبني طريقتك في التدخين, ثم جلسَت على ركبتيها... ارتاحت رأسي على كتفها بعد أن عادت ابتسامتها الأولى صافية هادئة..و ظللت أبكي و أبكي و أبكي حتى الموت!

...............................................................


ولكن ما الصورة أذا جاء المعنى؟
جلال الدين الرومى
جميل أن يستطيع النص أن ينفذ من كل آليات المفكر فيه إلى جوانب وزوايا تضيف للرؤية فالسلطة لها أزمتها أيضا، ولها تموضعاتها فى النص كما فى الواقع وأشد، فحتى رجال المطافىء توجد بينهم وبين النار علاقة معرفية فأنت لاتسطيع أن تتفاوض مع من لاتعرف وكما قال المتنبى:
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه--- تصيده الضرغام فيما تصيد
هناك أدبيات تناولت الجانب الآخر من السلطة وأظن وليس كل الظن أثم أن قراءة النص من هذه الزاوية تفصح عن كثير من الحكى ولن تبتعد عن المعنى فبين الخطابات المختلفة وما هو مشترك بينها من خيط الرؤية كما بدا فى "توازن البيان" وأنسداد أفق الحوار فى رصد للغة ميته ومحنطه ومكرره فى الخطاب السياسى الرسمى والمعارض والبين بين هذا الخطاب الذى يرتبط باسباب أزمة الشارع والتجاذبات العشوائية والتى تتعدد قضاياها بدون منهج أو رؤية بديلة كما فى "الشارع بتعنا" الى الافتراء والاعتداء على الاحلام من كهان الكلمات ونجوم التخديرالجدد كما فى "الشيخ سيدأحلام" يأتى هذا النص مستعيرا لغة الحلم فى واقعية مميتة فالمفارقة أن السلطة أيضا لها أزمتها ولكن لايمكن نقاش هذا الا فى حلم فماذا لو رأت القوى القابضة على السلطة أن تلتحم مع الشارع؟ ما الذى يمنعها؟ خارج الحلم ففى داخله سنكون تحت نفوذ تفسيروتأويل الشيخ سيد أحلام
فألى جانب هذا الصوت الذى يبحث عن ذاته التى حجبتها الاجراءات ويرى فى التواصل نوع من الخلاص ، وبين الرغبة فى البكاء والاعتراف صلة قربه ونسب، وهنا تظهر السمراء الغير محجبة كما يفضل الوزير الذى "لبس حجابه" لقد كان اللقاء ملتبس شديد الالتباس فى تجاذب بين الرغبة والأمومة ما يشير الى الهروب من سجن المعنى لهذا فى الصورة والعنوان ما يفصح عن ما يتحاشاه النص "سجن المعنى"
و بين الصورة التى أرى أنها فى النص التدوينى لها خطابها الموازى الذى يلقى بظلاله على النص الى جانب العنوان ويتجلى هذا بوضوح فى هذا النص فإذا كان العنوان يبدوا كبيان من ملك الكتشينه الشايب فيما يبدو الولد فى الظل تحيط به سبعة أوراق ظاهرة منهم خمسة للرقم تسعه قد يكون لذلك معنى عند مفسرى الكتشينه فلها هى الاخرى مجاذيب