ألعاب الضوء


مع الحكي.. تبدأ ألعاب الضوء..
أهدي هذه المساحة إلى دهشة تواصل حلّقتُ معها فوق براح العتمة..

أهديها..
إلى.. علان العلاني..
وإلى.. أبو الليل


ميه و أربعه و عشرين


..وحين أفصحت له عن هوسي بالفولكس (الخنفسة).. صمت طويلاً.. ثم لمعت عيناه و اندفع سيل من الذكريات و الحنين إلى الفيات 124 ذات اللون (الطحيني) التي اشتراها والده في السبعينات و التي تحولت إلى تاكسي بعد نجاتها من الموت المحقق إثر غرقها في (الرشّاح), يبدو أنها تشبثت بالحياة أكثر من أخيه و عمته و ابنها النجيب..
ال 124 كانت وش السعد على صاحبها الجدبد, فوحده لم ينعتها (بوش الشؤم) بعد الحادثة المأساوية, و كان أول من فكّر في الاطمئنان عليها بعد قيام (الونش) بإخراجها من الرشّاح.. استجابت ال124 لذلك الفتى ابن السادسة عشرة حين أدار المفتاح في (الكونتاك), ليعلن صوت محركها عن أصالة معدنها, وعن رغبتها في (صون العشرة) و إكمال المشوار..
و لما تركها صاحبها و سافر إلى العراق في الثمانينات, أحزنها الفراق, و أعياها طول الانتظار, فداهمها مرض شديد..
عادت الحياة إلى أوصالها بعد عودة صاحبها.. استعادت هيبتها و شموخها, و قبّلت عجلاتها الشوارع المزدحمة من جديد..
بعد عام.. و لأن بقاء الحال من المحال.. باعها صاحبها قبل سفره بعد حصوله على فرصة عمل مهمة في العراق أيضاَ (ستعرف ماذا كان يعمل هناك في نهاية حديثه)..
صاحبها و صاحبنا يذكرها بالخير حتى الآن, و لا ينسى أيامها الحلوة, و يردد دوماً: يا ريتني ما بعتها..
بالمناسبة.. صاحبنا ينتظر (الفرج) ليشتري سيارة تشبهها فهو لا يملك التاكسي الذي يقوده..
لما سألته: بعد ما رجعت من العراق دورت عليها؟
أجابني بشجن: اللي بيروح ما بيرجعش يا بيه..

(مش عارف ليه حاسس إنها غطست في الرشّاح و ما طلعتش المرّه دي)
.......................

استمع إلى أولى حواديت الناس الغلابة:

"ميه و أربعه و عشرين"
المدّة: 8:54
المكان: شوارع القاهرة
الوقت: قبل الفجر




إفعص هنا للتحميل

...............................................


الليل وأخره يا ولداه

رغم قصر المسافة بين عرض الحدوتة الأولى التي تحتاج إلي الكثبر من التفكيروالتأمل الا أنها استجلبت من الشجون ما أود تناوله معك ،فقد بدت وكأنها تمثل حلقة متواصلة لا تنفصل عن بنية الرؤية عند الراوي فلم يكن زمن الحدوتة الأولى من حواديت الناس الغلابة (قبل الفجر) أي عمق الليل بعيدا عن شعار المدونة وسواء كان ذلك قصديا أو بالصدفة البحتة فهناك انحياز معلن من الراوي أبو الليل— يابو الغلابة ياليل إروي العطاشى يا ليل وها هوالليل يبوح بالمستور ولعل في هذا البوح بعض منه

العزيز أبو الليل
أتذكر فى حوار مع أحد النشطاء السياسين الغربين يعمل فى مؤسسة طوعية وعاش مدة طويله فى بلاد مختلفة فى الشرق الأوسط منها مصر عندما قال لي ردا على سؤاله بعد عشريبن عاما من العمل فى المنطقة وكانت كلماته تبدو نافذه وتختلط بكثير من التأملات أن الخوف من العار هو أحد حلقات الضعف فى الذات الشرق أوسطية وبحكم دراسته وعمله فى المجال الاجتماعي كان يرى أن المجتمعات العربية تتعامل مع الفقر كعار كبير ووصمة وقضية شخصية بطريقة مأساوية بعيدا عن التعامل معه كنيجة لعجز القيادات والنخب فى إدارة الموارد وأهمهاالموارد البشرية وأضاف قائلا والغريب أن هذه نظرة وعقيدة لها جذورها البروتستانتية وبصرف النظر عن دقة هذه الملاحظة أو صحتها لكن كلماته استدعت قراءات صحفية ودراسات تناولت قضية الفقرمنها على سبيل المثال دراسة دمصطفى حجازي -التخلف الاجتماعى- سيكولوجية الإنسان المقهور وفي الصحافة يوسف إدريس و مقالته الشهيرة "أهمية أن نتثقف يا ناس" التى كتبها فى باب مفكرة بالأهرام ثم قام بنشرها فى كتاب يحمل إسمها مع مقالات أخرى عن دار المستقبل العربى الطبعةالأولى 1985 التى تعتبر من أشهر المقالات الصحفية والتى اشتبك بسببها مع وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة آن ذاك وكانت تحمل توجسات وفزع فنان وروائى لما آلت اليه الأمور وما هو قادم بعد أن تكاملت او كادت معالمه، وتاريخ المقالة تزامن مع الكتلة الزمنية التى تدور فيها الحدوتة أى ظرفها التاريخى

و--بعد
لقد كانت هذه المقدمة نوع من التفاكر معك يا صديقى العزيز على هامش هذه الإضافة المبدعة

أما عن حواديت الغلابة
تلك القدرة على البداية من عمق المأساة إلى دينامية الصراع من أجل البقاء ولبس لكل حال لبوسها من تحت الرشاح سواق إلى تحت الأقدام جزمجي تلك اللغة اللامؤاخذية وتفاصيل الإثارة هوامش لتاريخ بين السبعينيات والثمنينيات والتسعينيات والى الأن حدوتة مصرية فى ثمان دقائق تلخص رحلةلأكثرمن ثلاثين سنة وتلك المرادفات الإيمانية التى تتخللها والاستعداد بأرشيف قدري يتراوح بين اليأس والصبر" ربك لما بيريد" "اللي بيروح ما بيرجعش يا بيه..

غنائهم كرجفة الشتاء فى ذؤبة المطر
وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب
خطاهمو تريد أن تسوخ في التراب
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجشأون
لكنهم بشر
وطيبون حين يملكون قبضتي نقود
ومؤمنون بالقدر

على أية حال

هناك فى عالم الرواية نوع من التوجه لشكل من أشكال التحقيق الصحفى الذى يمتزج فيه الفن بمناهج العلوم الاجتماعية والنفسية ويتم التراسل فيه بين العلوم والفنون " راجع معظم أعمال صنع الله أبرهيم" اللجنة ،نجمة أغسطس،إنسان السد العالي،بيروت بيروت، ذات ،شرف-- على سبيل المثال-- بعدما استعصي الواقع نفسه على الخيال—مما يستدعي أحيانا –ضرب الكف بالكف- كم أشرت في الجدارية الإرشادية، تتزامن الحدوتة الأولى مع مشاهدتي" لفيلم البنات دول " ومتابعتى لتلك الضجة التى سببها هذا الفيلم التسجيلى الذى يتناول مجموعة من بنات الشارع "غامضي التنصيف" على هوامش الصياعة والجنس والجريمة والتشرد والإدمان وإن كان الفيلم قدم وتكلم (عن) البنات دول من خلال عين الكاميرا واختيار مشاهد من تصوير قيل أنه استغرق العام ليختصر فى 90 دقيقة – قد يكون هذا ما جعلنى اتسائل بعد قرائتي لنصك واستماعي للحدوتة،" عن الغلابه دول" خارج دائرة الجنوح والإنحراف خصوصا وأن الغلب مرتبط ارتباطا وثيقا بالفقر وكما تعلم بين الفقر والكفرحرف ولست هنا أقصد الكفر بمعناه الميتافزيقى" أي الكفر الكول" ولكن أقصد الكفر بالمجتمع ذاته الفقرالذى يتعوذ منه الصالحون الذى قال عنه الخليفه إمام المتقين لو كان الفقر رجل لقتلته فإذا كان هناك قطاع يعد بالملاين تحت خط الفقر فإن ملأ الفجوه بين خط الفقر وتحته لمجرد الوجود منطقة ومساحة شديدة الإلتباس والتعقيد تحت ضغوط قيم استهلاكية مكتسبة وشديدة الشراسة تجعل من الأنصات والانتباه لحواديت الناس الغلابة مهمة-- أكثر قليلا من أضعف الأيمان كما تقول الجداريةالإرشادية

ملاحظات فى الهامش

بعيد عن تلك المساحة الفنية بين حكي الراوى والاستماع للحدوتة الأولى والتى لاتخرج عن بنية الراوى الحكائية والعلاقة بين الصورة والعنوان التى ترتبط بالنص المكتوب والنص الشفاهي فالعنوان "ميه وأربعه وعشرين"له دلالاته في مخيلة قطاع كبير من قطاعات الناس الغلابة وما تمثله من طوق نجاة بامتلاكها كما كانت العربة البيجو تمثل سقفا لهذا الحلم كنوع من الائتمان وتخطى لحاجز طبقى موهوم

................................................................

رغم وجود مشاريع ضخمة
من جامعات كبيرة عالميه تحاول تسجيل التاريخ الشفاهي
فى مناطق متفرقة من العالم بوسائل لها مناهجها وضوابطها الاكاديمية
الا ان هناك خصوصية وابداع فى ان يلتقط فنان حواديت شفاهية
بعدسات رؤيته ومن خلال اندماجه فى ومع الحكي


الحدوتة الأولى من حواديت الناس الغلابة

ميه وأربعه وعشرين

قراءة

عندما نراجع كلمة غلب فى بعض معاجم اللغة مثل لسان العرب: غلَبهُ وغلَب أي قهرهُ واعتزَّ عليهِ وامتنع، وفي الوسيط غَلَبَ فلانًا على الشيءِ: أخذه منه كَرْهًا فهو غالب.

وكلمة الغلب أو" الغلابه" لا تتجانس فى اللسان الشعبى فقط مع الفقر والعوزولكنها تبسط دلالاتها أيضا مع المسالمة والرضى و تقارب الانكسار أو المسكنة أو حتى القهر وتمتد تلك الدلالة لتلامس الدعة والتجاوز عن الاستفزاز وتحمل العجرفة، والغلبان بطىء الغضب سريع الرضى مفطور على التواطىء مع أي نوع من أنواع السلطة بالصمت والالتفاف والابتعاد عن مواطن نفوذها و نواهيها، لايكتفى بالبعد عن الشر بل يغني له أيضا، وعندما يقال" ده راجل غلبان" يعنى أنه مأمون الجانب، سهل السلب"المعزة تاكل عشاه" . وعلى هوامش تلك التأملات المختصرة لمشتقات كلمة الغلابة أحاول الاستماع إلى الحدوتة الأولى وإذا كانت الحدوتة الأولى تفترض من الراوي أولا انتباه أو فلنقل اهتمام بالناس الغلابه فهى تفترض ثانيا اختراق لخطاب مغيب رغم انه يمثل قطاع كبير من الشعب بل فلنقل هو القطاع الأغلب وليس "الغلباوي" أو الأغلبية الصامتة، تلك التى يتكلم "عنها" المثقفين ولا يتكلمون" معها" أو" لها " وكأنها قارة مجهولة أو فى زمن آخر- الأغلبية الصامتة ذلك الكنز السياسي المحجوب والمرصود الذى لم يستطع أحد الوصول إليه" وهنا ينبغى التأمل جيدا فهل هى فعلا اغلبية صامتة أم أن الخطاب الثقافوي فقد القدرة والرغبة فى الاستماع إليها ناهيك عن التواصل معها، إن المتأمل فى لغة الغلبان يستطيع بسهولة أن يدرك أنها لغة "مختلفة" ولا أشير هنا إلى نقص التعليم والثقافة وتلك الحزمة التقليدية(1) أو حتى أنها لغة "بيئة"- تلك الكلمة السفيهة التى تلوكها ألسنة غارقة فى السطحية حتى النخاع- وهى لغة تختلف أيضا عن تلك الأنماط التسويقية (الكاريكترية) في بعض الأفلام كاللمبي -رغم أهميتها- ولكن اللغة نفسها في الشكل والمضمون وخلوها من أي نوع من أنواع الادعاء وهي هنا تختلف عن لغة الطبقة المتوسطة المتحسبة والمتحفظة، ولكن قبل الانصات و الاستماع إلى الغلبان فلنحاول أن نبحث عن الراوي الذي نجح أن يغيب نفسه "غيبة كبري" مع الغلبان فى تلك الدقائق الثمان لقد كان وجود الراوى تجسيد لخفة الوجود الممكنة وكأنه تحول إلى جسر لعبور الحكي ونجح أيضا بعد ذلك أن يغيب نصه المكتوب لحد بعيد كخلفية للنص الشفاهي (الحدوته) بل وأن يفصله تقريبا، وهنا جديد الحكي التدويني،فقد كان الكاتب يعطي نفسه مطلق الحريه أن يرسم اشخاصه الذين يختارهم من الواقع كما يشاء، ولكن هنا يتنازل الكاتب للشخصية بأن تقوم هي برسم وموضعة نفسها ،في تثوير لفعل الحكي فعوضا عن راوي واحد هناك راويان للنص أبوالليل من جهة وسائق التاكسى وهناك نصان بين الكتابة والحكي والمشافهة بكل ما يترتب على ذلك من وسع فليس هنالك نص كتابي يستطيع ان يحمل نبرة الصوت وبصمته ودلالته الطبقية كما لايوجد صوت يستطيع أن يحمل لمعة العين ويلتقط تفعالات الشجون على صفحة الوجه هاهنا تمازج وتفاعل تثويري للحكي التدوينى واختراق متعدد المنافذ لسطة الكتابة من جهة وانفصال العوالم والخطابات من جهة اخرى ليكون فعل القراءة شىء ما يتعدى التلقي الي المشاركة فى بناء الرؤية ورصدا للأثر فأذا كان الفن عبر عن حلم التجاوز من خلال مقولة العين تسمع والأذن ترى فها هو الحكي التدويني يساهم فى تجويز هذا الحلم، فعندما نعود إلى نص الراوي أو "المتلصص بحق" نجد أنه قام فى هذا النص بحيلة سردية من عالم الفوزيات ولكنه هذه المرة ذهب أبعد غورا فعوضا عن أنسنة الحيوانات فقد "شطح بعيدا" بالمصطلح الصوفي و أنسن العربية التي كانت دائرة الحكي وكان صوتها ومشاعرها هو جوهر النص وقد بدأت عملية انسنة العربية من الإسم/العنوان الذي حرص الراوي على كتابته حروفا لاأرقاما ليبدو كأسم ثلاثي يقول الراوي أبو الليل:

"بعد نجاتها من الموت المحقق إثر غرقها في (الرشّاح), يبدو أنها تشبثت بالحياة أكثر من أخيه و عمته و ابنها النجيب"

يلاحظ هنا حيوية متدرجة او فلنقل احياء نصي متدرج للعربية في البداية "نجاتها" ثم "من الموت المحقق" ثم إثر غرقها، وعندما تأتي كلمة تشبثت تكون دورة الحياة اكتملت لتبدأ دورة الإرادة، ثم يتم الاستدراج ليكمل للعربية أنوثتها
استجابت الميه وأربعة وعشرين لذلك الفتى ابن السادسة عشرة حين أدار المفتاح في (الكونتاك), ليعلن صوت محركها عن أصالة معدنها, وعن رغبتها في (صون العشرة) و إكمال المشوار.. لاحظ هنا اللغة الساخنه بل والمثيرة

وبعد ذلك يقوم الراوي بنقلة نوعية فى المشاعر المتبادلة بين الفراق والهجر والحرمان والسهد والصد ثم الوصل وجددت حبك "--لما تركها صاحبها و سافر إلى العراق في الثمانينات, أحزنها الفراق, و أعياها طول الانتظار, فداهمها مرض شديد.. عادت الحياة إلى أوصالها بعد عودة صاحبها.. استعادت هيبتها و شموخها, و قبّلت عجلاتها الشوارع المزدحمة من جديد.

ولكن هذه العلاقة لم تكن من طرف واحد.

انظر
"صمت طويلاً.. ثم لمعت عيناه و اندفع سيل من الذكريات و الحنين إلى الفيات الميه وأربعه وعشرين ذات اللون (الطحيني)
..... فوحده لم ينعتها (بوش الشؤم) بعد الحادثة المأساوية, و كان أول من فكّر في الاطمئنان عليها بعد قيام (الونش) بإخراجها من الرشّاح........ يذكرها بالخير حتى الآن, و لا ينسى أيامها الحلوة, و يردد دوماً: يا ريتني ما بعتها"

يبدو الراوي هنا حر فى حكيه بصورة بديعة فهو غير أسير لاعتقادات المتلقي وتصنيف الكائنات وهو يقوم ببث الحياة في ذات اللون الطحيني بكل حنان وشجن، وكأنه تعمد تمرير نصه بوضعه كمقدمة تمهيدية للنص المسجل أو الشفاهي، وهكذا هو حال الناس الغلابة لهم سياق وبنية تُفعّل وتسمح بتجاوزهم لا اراديا، لقد بدى الغلبان كهامش فى النص مقابل وجودها (العربية) كهامش فى شفاهية الغلبان، لقد كان هناك شىء مشترك شديد الكثافة بين الغلبان والراوي هو ما أشعل فتيل الحكي وهو ذلك الارتباط الخاص بالعربية أو فلنقل العلاقه العاطفية لكل منهم بالحبيبة- عبر عنها الراوي "بالهوس" منسجما مع رؤيته وعبر عنها الغلبان "بوش السعد" منسجما مع طبقته،

يقول الراوي :
"..وحين أفصحت له عن هوسي بالفولكس (الخنفسة).. صمت طويلاً.. ثم لمعت عيناه"
تشير كلمة وحين بنقاطها الخلفية أن الحوار كان متصلا قبلها وتوحي ايضا أن الحوار كان بشكل مباشر عن العربيات، فى هذا الحين أو تلك اللحظة بالذات، والتى كشف عنها أبو الليل فى تعليق للرد على سؤال علان
كبسة زر التسجيل هي اللحظة الواعية الوحيدة بعد "ومضة الانتباه",

وكلمة ومضة تشير الي مساحة بين الالهام والفعل وتوحى أيضا بأنها موضع اختراق خطاب مغيب رغم أنه يمثل كما قلنا قطاع كبير لا نقول من المجتمع بل من الشعب، لقد اقترب الراوي جدا من حواديت الناس الغلابة في هذه الحدوته ولكن إلى أي حد استطاع التخلص من هيمنة خطابات تجذرت وتسربت الي لاوعينا؟ وبمعنى آخر هل انحاز الراوي نصا وشفاهة للعربية أم للغلبان؟ وهنا تتعدد القراءات:

منها
أن كلمة النهاية تدين زمن الغلبان وتنحاز للميه اربعة وعشرين (عنوان الحدوته) دون أن يخفي الراوي ذلك. وتجلي هذا في السطور الثلاث الأخيرة من النص:
-حمل الاول منها مركز اهتمام الراوي: لما سألته: بعد ما رجعت من العراق دورت عليها؟
- وحمل الثانى منها رصد الراوي لشجن وندم الغلبان وافتقاده للعربية: أجابني بشجن: اللي بيروح ما بيرجعش يا بيه..
-ثم حمل السطر الأخير ما قد يبدو انحياز الراوي للعربية وكأنه ينصفها من الغلبان وزمنه (مش عارف ليه حاسس إنها غطست في الرشّاح و ما طلعتش المرّه دي) فتبدو الحدوته وكأنها عن الميه أربعة وعشرين الغلبانه كما حكاها الغلبان حكي مشتبك بعمق مع وجوده وحلمه كقصة حب غامضة لابن السادسة عشرة و البنت ميه وأربعه وعشرين ذات اللون الطحيني التي تأثر لها الراوي.

وقراءة أخرى

أن الميه اربعة وعشرين هي حلم الغلبان الذي تسرب من بين يديه، وأن الراوي أخفي تأثره بلمعة العين وانفعاله بشجن الغلبان، مداريا هذا بلغة محايدة تجاه الغلبان، بقصد دفع المتلقي -دون الوقوع في مباشرة التعاطف- للانحياز للغلبان واصراره على أن يعيش ويحاول ويغامر وفي سبيله هذا يُنتزع منه مره ويفقد مرات ما يذهب فى سكة اللى يروح ميرجعش.

وهكذا بين نص الراوي الأول أبوالليل ونص الراوي الثانى الغلبان تتعدد القراءات لتكون القراءة مشاركة فى إنتاج المعنى وتكون الحدوته الأولى من حواديت الناس الغلابة،اضاءة جديدة لجانب من جوانب الحكي في عالم التدوين لتظل القراءات مفتوحة اللأفق تفتض بكارت المعنى وتخصب حقول البوح--،ويظل الفن وإلهامه وومضته السبيل الوحيد لإبداع الوسيلة وتطويعها للعبور بين الخطابات المختلفة ومبادلة المواقع بين المراكز والهوامش، وفي انتظار الحدوته الثانية سوف نظل نتأمل ونفكر لنكتشف المزيد من فن الاستماع إلى حواديت الناس الغلابة.

-------------------------------------------
هامش
(1)
يقول عبد الحكيم قاسم انا لااكتب لإحشد الجماهير للثورة، بل اكتب لتكون كتابتي مساهمة قي إجراء تحوير في ضمير المجتمع حتى يكون عكسا أقرب الى الصحة لواقع أن فيه أكثر من 90% يعيشون أدنى من الكفاف. على ان الطبقات الشعبية فى مجتمعنا ليست بسبب الأميه تكوينا مصمتا لا تنفذ فيه إشعاعات جهود الكتاب الشرفاء.هذا تصور لقضية الأمية يعتمد فى المحل الاول على مراجع اوربية ترى الأمية من خلال خبرتها بمجتمعاتها وقلة خبرتها بمجتمعاتنا.الأمي فى المجتمع المتقدم صناعيا- والذى تكون معرفة القراءة والكتابة فيه ضرورة حياتية- هو شخص خارج عن المجتمع بسب نقص عقلى أو جسدي. في مجتمعاتنا ليست معرفة القراءة والكتابة ضرورة حياتية، وقد يتقدم الأمي في مراقي التطورالاجتماعي صعدا.هذا إلى انه لم يخترأن يكون أميا بل فرض عليه هذا وبقي شوقه لأن يعرف قائما.لذلك توجد دائرة المستمعين والراوي. وتوجد ما تزال الكتب الشعبيه والسير والمناقب التى يتلقاها هؤلاء الناس والتى هي أعمق انسانيا من الصحافة الدارجة ورويات الجنس والجريمة التى يقرئها الناس فى أوروبا.هذه الدوائرالقارئة المتلقية عندنا وإن لم تقرأ كتبنا إلا أنها حساسة للتغير الذي يطرأ على ضمير المجتمع لارتباطها به ببصيرتها لا بصرها---انتهى. (الأدب – العددان الثانى والثالث عدد خاص عن الرواية العربية الجديدة- فبراير مارس 1980 عبد الحكيم قاسم-ملامح تجربتي الروائية ص127)

فوزي في الغوّاصة


نقلت توتري و حالتي المزاجية السيئة لكل كائنات تلك الجزيرة المجهولة, و التي اضطررت للرسو على شاطئها بعد أن نفذ مخزون الأكسجين و الوقود من غواصتي الخضراء الصغيرة..
يبدو أن بن يقظان و روبنسون كروزو و توم هانكوزو و غيرهم كانوا أكثر هدوءاً و حكمة مني في هذه التجربة..
أن تقودك الظروف للحياة وحيداً في مكان بكر لم تطأه أقدام الحضارة و المدنية..
ليتني كنت أحضرت مزيدا من السجائر..
كنت أردد تلك العبارة و أنا في قمة الغضب, و تصادف مرور وحيد القرن و معه صغيره, فلما بادرني بالتحية و الترحيب بسلامة الوصول, أشحت عنه بوجهي و نهرته بنبرة حادة قائلاً: "طبعاً ما عندكمش سجاير و لا شيشة و لا أي حاجة في جزيرتكم الفقرية دي", فنظر لي بازدراء و قال: "ما ترد السلام طيب, أما انك واطي و قليل الأصل صحيح. بعدين إيه الغواصة العرّة بنت الوسخة اللي انت راكبها دي؟ عموماً أنا عامل دماغ فستكونيا و مش حضيعها عالهبل ده, بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام", وقبل أن ينهي عبارته اندفع صغيره في اتجاهي مسنتراً قرنه الوحيد في مرمى مؤخرتي لكن الأب صاح في آخر لحظة: "سيبك منه يا بني ده برضه ضيفنا".
ذهبت إلى غواصتي أفتش عن ما تبقى من طعام و شراب, و أدركت أن ما حملت لن يكفيني أكثر من ثلاثة أيام, فازداد غضبي, و خصوصاً حين اكتشفت أنه لا توجد أي علامة تدل على وجود تغطية إرسال لهاتفي النوكيا الذي ابتعته الشهر الماضي من شارع عبعزيز بالضمان.. و طبعاً البطارية ستحتاج لإعادة شحن حتى أتمكن من تسلية وقتي بالاستماع إلى الأغاني أو الاستمتاع ببعض الألعاب البضان .. و أثناء انشغالي بالتفكير في مصيري الكارثي على هذه الجزيرة, مر فيل رمادي بخرطوم معقود, ففعل مثل مواطنه وحيد القرن مرحباً بي و مهنئاً على سلامة الوصول, فصرخت في وجهه: "أكيد ما عندكمش شاحن نوكيا و لا بيتزا و لا أي زفت في جزيرتكم المخروبة دي, بعدين أيه أم زلومتك أم عقدة دي؟ هي ناقصة تعقيد بروح امكم؟"
نظر لي الفيل باستغراب و استهجان قائلاً: "بالراحة علينا يا كابتن, لولا إنك ضيفنا كنت طللعت ميتين أهلك بعدين إيه الغواصة المسخرة اللي جايلنا بيها دي؟, عموماً بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام"
تمتمت بيني و بين نفسي: " أحه.. إيه الجزيرة المناخوليا دي؟ انتخابات إيه بس اللي مسروعين عليها, أنا شكلي وقعت في نقرة هرتلة و لا حدش سمى عليا"
كِمْلت.. أهو الأخ غوريلا شّرف و جاي ناحيتي: "ألف حمد الله عالسلامة.. الجزيرة نورت حقيقي"
سألته بفظاظة: "خيلتوني منك ليه, إرحموا أمي و خللوني أشوف حعمل أيه في سنتي اللي مش فايتة, روح يا عم انتخب و حل عن سمايا"
"ها ها ها ها إيه الغواصة بنت القحبة اللي راكنها عالشط دي,شكلك عبيط ياد, راجعلك.. بس بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام"

كنت قاعد بولول زي النسوان, و بقول: الحقيني يامّا شوفتي اللي بيحصل لضناكي, و أثناء الولولة كنت بضرب كيس شيبسي لأسُدّ به بعضاً من جوعي..

مرت الساعات و أنا أتأمل نصيبي و حظي المنيّل قابعاً في غواصتي الخضراء الصغيرة التي نفذ منها الأكسجين و الوقود و بضعة أكياس من الشيبسي و لوحين من الشيكولاتة المبندقة (اللي فيها بندق)..
دخل الليل برهبته, و أصبح المكان شديد الوحشة..
بدأت ثورتي تخمد تدريجياً..تبدل الغضب إلى شعور بالانكسار... و الخوف, لم أستطع مقاومة دموعي التي انهمرت بغزارة لأول مرة منذ زمن بعيد.. بعيد جداً... على ما يبدو, نسيت طعم ملح الدموع, نسيت كيف كنت أترجم أوجاعي إلى بكاء, بدلاً من تحويلها إلى قسوة.. قسوة على نفسي و على من حولي.. ياله من جبروت مزّيف ذلك الذي نخترعه لأنفسنا ذات وجع, لندفن انكساراتنا تحت أساسات خرسانية مسدودة المسام.. لا تسمح لذرة أكسجين واحدة بالمرور.. ها هو الأساس الخرساني يتشقق, و ها هي المياه المالحة تنخر في أسياخ الحديد.. تتفتت شيئاً فشيئأ.. تنفجر الأرض المصنوعة.. و تظهر من جديد الأرض الأم.. يتسلل الأكسجين من جديد ليقبّل أرضه المسجونة تحت توابيت العلب الممسوخة.. (مزيكا حزايني مضروبة في الخلاط مع تلج مجروش)
كان هدير البحر يغازل ظلال النور التي حاكها قمر يقصّ الحكايات لنجمات و غيمات.. للرمال.. و لغابة مسحورة تنعس في حضن الجبال و لا تنام..
كيف لم أر كل هذا الجمال؟
تبدد الخوف.. تبدد انكساري.. ملأت صدري بذلك الهواء الجديد.. استنشقت حنيناً إلى حنين لم أتذوقه من قبل..(مزيكا متفائلة من متتابعة إنشكاح اليعسوب العائد إلى غيط الكستناء)

طرقات على نافذة غواصتي الخضراء الصغيرة..
خرجت..
وحيد القرن.. و الفيل و الغوريلا يتقدمون آخرين.. تعلو وجوههم ابتسامات ودودة (من المودة مش من التدويد)..
"بقيت أحسن دلوقتي؟"
قالوها و هم يحملون لي سجائراً و بيتزا (سي فود) و شاحن نوكيا أصلي (مع مولد كهربا)
لم يعطوني أية فرصة للاعتذار..
وضعوا الأغراض جانباً, ثم حمل كل منهم آلة موسيقية و غنوا جميعاً أغنية تتحدث عن الحب و الرضا و الوطن (من مقام بياتي اللا)..
سألتهم بعد أن شكرتهم: "هو انتوا انتخبتوا بجد؟ يعني عندكم انتخابات و استفتاءات زينا؟"
فشخر أحدهم (لم أتبين ملامحه عشان كان واقف ورا و الدنيا ضلمة)
" خخخخخ أحه.. يعني هو ده اللي لفت نظرك بروح خالتك؟ أمال ليه ما استغربتش من إن عندنا سجاير و بيتزا و شاحن نوكيا؟؟"
لحقت نفسي قبل ما يتأكدوا من هطلي و غبائي المتأصل: "لا يا عم الحاج انت فهمتني غلط, أنا كان قصدي هو الانتخابات و الاستفتاءات مضروبة عندكم زي عندنا؟"
أنا قلت البق ده من هنا و عينك ما تشوف إلا النور.. الحشد كله وقع على الأرض في نوبة من الضحك الهيستيري رجت أركان الجزيرة الهادئة.
سألت وحيد القرن (اللي بيعمل دماغ فستكونيا): "إيه يا معلم هو انا قلت حاجة غلط؟ همه بيضحكوا على إيه؟"
أجابني و هو لا زال يقهقه مقلوباً على قفاه: "هو انت جاي من هناك؟ نياهاهاها..."
...........................

علان العلانى

فوزي وأزمنة الغوص
قراءة

فوزي فى الغواصة هذا العنوان غاطس فى مباشرته ولكن الغوص كما فى الأعماق يكون فى الواقع أيضا وفى انعكاس هذا الواقع على هوامش المعنى وكذلك الصورة (تصميما أو اختيارا) هي وجه فوزي المرئي تعكس الرؤية الفوزوية، الى جانب إزاحة الكمالة بعد الإشارة للأجازة—فعندما نسأل كنت غائصا/غاطسا فين؟ فلهذا السؤال دلالته التى توحي بأن السائل يتشكك أنه سوف يجد لسؤاله جوابا واضحا بين الأعماق والواقع وأنه يشيرفقط لانتباهه للغياب وما قد يحيط به من غموض--- بين الرؤية الفوزوية وبين الغوص وتلك الجزيرة التى وصلها فوزي غائصا هذه المرة بعدما وصل لجزيرة مشابهة جاريا (1)، لا بد للقراءة أن تتوزع داخل الفوزويات: مع فوزى الكلب- فوزى اعتصامات- وأيضا نموت نموت وتحيا نوكيا- فى شبكة تناص تغوص فيها المعاني على امتداد زمن المدونة نفسه.


النص والهروب الاضطراري من المعنى

الهبوط الاضطراري يستخدم فيه الطيار كل خبرته للنجاة بطائرته/نصه فى المساحة المتاحة وفى حرص شديد من الارتطام وهكذا تحمل بداية النص مجموعة من إجراءات في شكل كلمات: توتري/ اضطراري ، يبدأ النص بسهم سردي تقريري وحاسم: " نقلت توتري و حالتي المزاجية السيئة لكل كائنات تلك الجزيرة المجهولة" والمباشرة هنا تفتح نوافذ المخيلة على أسباب التوتر والحالة المزاجية السيئة من جهة، والغموض الذي يلف الإشارة إلى الجزيرة المجهولة من جهة أخرى(2) وفى ملاحقة سردية يغزل بهاالراوى نسيج الحكي يلحق بسهمه السردي الأول معلومات مرتبة تلا حق تسائلات القارىء وهى تتكون فى مخيلته بكيف وأين ولماذا موضحا: "التي اضطررت للرسو على شاطئها بعد أن نفذ مخزون الأكسجين و الوقود من غواصتي الخضراء الصغيرة.. يبدو أن بن يقظان و روبنسون كروزو و توم هانكوزو و غيرهم كانوا أكثر هدوءاً و حكمة مني في هذه التجربة". بين أجوبة الراوي واستباق مخيلة القارىء هناك حكي حي ومتفاعل ينساب فى دائرة التواطىء التي تفتح بينهما بابا للتواصل السردي، إلا إن هناك علامة لا تخطئها العين- إسم علم يفلت رغم التمويه حي بن يقظان - يشيد للمعنى جسرا من التوتر في هذه التجربة، فحي بن يقظان يختلف اختلافا جذريا وجوهريا عن كل التجارب التالية، فهو نشأ بالكامل خارج نظام/خطاب السلطة وسلطة الخطاب فهو لم يكن متعلقا بنظام أو هيمنات متصارعة بخلاف روبينسون كروزو وغيره الذين حدثت معهم قطيعة بين تكويناتهم وما أضطروا اليه من العزلة فقد كانت ذاكرتهم الأستهلاكية تحاصرهم بينما بن يقظان فى انسجام مع محيطه غير مستعبد له. لقد كان فوزى يعلم بهذا المأزق من قبل ففي محاورة سابقة بينه وبين أبو الليل فى مار س من العام الماضى في" نموت نموت وتحيا نوكيا":

"فوزي: آه جينا لكلام الشيوعيين و الحقد الطبقي.
أبو الليل: كس ام غباءك يا فوزي انت مش فاهمني.. الشركات اللي بتقدم سلع إستهلاكية , أهم ناس فيها, همه الناس اللي بيرسموا استراتيجيات الدخول إلى شيفرة نفسية المستهلك, يعني بالبلدي إزاي أخللي واحد زي فوزي يوصل لمرحلة يشعر فيها, إن اقتناء موبايل حديث و متطور هو احتياج حقيقي و ليس مزيفاً, الرغبة في امتلاك شيء قد لا تحتاجه, لكنه شيء يستطيع إبهار مناطق ما من متطلباتك الحسية و المعنوية, إنه فن و علم يا فوزي.. فن سحب النقود من جيوبك يا فوزي.."

ولكن الأمر لا يتوقف عند سحب النقود من الجيوب أنه يخلق حالة اعتياد تتحول إلى حالة استعباد، فما هى احتياجات فوزي عندما انقطعت به السبل "ليتني كنت أحضرت مزيدا من السجائر" (هامش جانبي:علاقة فوزى مع السجائر تعطى انطباع بأنه لم يغادر فصول الثانوية العامة أو أمضى الكثير من الوقت معتقلا فهي إحدى العلامات الملازمة لفوزى إلى جانب البيض والتونة وأشياء أخرى وتمثل مع التونة حجة الغياب) . وهكذا إذا لقد أنجز الراوى فيما لا يتجاوز خمسة سطور عملية الرسو بالنص ليبدأ فى رسم معالم الرؤية بداية من "كنت أردد تلك العبارة وأنا في قمة الغضب" إلى أخر حديثه مع الغوريلا "ها ها ها ها إيه الغواصة بنت القحبة اللي راكنها عالشط دي,شكلك عبيط ياد, راجعلك.. بس بعد ما انتخب ليا كلام تاني معاك..سلام".

يتكلم فوزى بسهولة وعفوية شديدة مع حيوانات الجزيرة وتبدوالحيوانات مأنسنة في مشاعرها وردود أفعالها وانفعالاتها وكأنها تنتمى لأوساط الطبقة المتوسطة أي القطاع المؤثرفى الخطاب الشعبي، والراوي لا يسقط فى محاولة اختراع عالم موازي ومثالي (مثل عالم الخيول في الجزيرة الأخيرة التي رسى عليها جلليفر) فوحيد القرن يتكلم كمعلم صاحب مزاج ويعرف الأصول و" راسي" وأبنه ينفعل كفتوة نشأ فى عزوة تصارع به للجدعنة وعدم احتمال الاستهتار--- وهكذا وكأننا فى حفلة تنكرية لحيوانات تتخذ أوضاع أنسانية أو بشر يتفاعلون في أشكال حيوانية، لعل الكلمة المفتاح التى حددت مسار السرد هي كلمة " انتخب " التي تعود على لسان كل واحد من الحيوانات القادرة على معاقبة فوزي على استهتاره لتؤجل ذلك لما بعد الانتخاب ثم ذلك الحرص على الانتخاب من أقوياء الغابة فى الجزيرة وأخيرا ذلك التوازي والارتباط بين هذا الحدث الانتخابى من جهة و بين النوكيا وشاحنها والبيتزا والانتخاب (الديمقراطية ) كحزمة واحدة على مبدأ
take it or leave it
هذا التلازم الذى سوف يعود فى نهاية النص بين رحلةبعد اتمام الانتخاب وانفراج أزمة الغريب(فوزي) الاستهلاكية:
"وهم يحملون لي سجائراً و بيتزا (سي فود) و شاحن نوكيا أصلي (مع مولد كهربا)" وأيضا في "خخخخخ أحه.. يعني هو ده اللي لفت نظرك بروح خالتك؟ أمال ليه ما استغربتش من إن عندنا سجاير و بيتزا و شاحن نوكيا؟؟"
لحقت نفسي قبل ما يتأكدوا من هطلي و غبائي المتأصل: "لا يا عم الحاج انت فهمتني غلط, أنا كان قصدي هو الانتخابات و الاستفتاءات مضروبة عندكم زي عندنا؟" أنا قلت البق ده من هنا و عينك ما تشوف إلا النور.. الحشد كله وقع على الأرض في نوبة من الضحك الهيستيري رجت أركان الجزيرة الهادئة"

وهكذا طبيعي تأتى الحكمة من وحيد القرن فى عالم اصبح وحيدا للقرن ولم يعد متعدد القرون ---هذا فى نهاية النص
(ولكن---) فى منتصف النص وبحرص شديد يضع الراوي خبيئته:

-- كنت قاعد بولول زي النسوان, و بقول: إلحقيني يامّا شوفتي اللي بيحصل لضناكي, و أثناء الولولة كنت بضرب كيس شيبسي لأسُدّ به بعضاً من جوعي..
مرت الساعات و أنا أتأمل نصيبي و حظي المنيّل قابعاً في غواصتي الخضراء الصغيرة التي نفذ منها الأكسجين و الوقود و بضعة أكياس من الشيبسي و لوحين من الشيكولاتة المبندقة (اللي فيها بندق)..دخل الليل برهبته, و أصبح المكان شديد الوحشة..بدأت ثورتي تخمد تدريجياً..تبدل الغضب إلى شعور بالانكسار... و الخوف, لم أستطع مقاومة دموعي التي انهمرت بغزارة لأول مرة منذ زمن بعيد.. بعيد جداً... على ما يبدو, نسيت طعم ملح الدموع, نسيت كيف كنت أترجم أوجاعي إلى بكاء, بدلاً من تحويلها إلى قسوة.. قسوة على نفسي و على من حولي.. ياله من جبروت مزّيف ذلك الذي نخترعه لأنفسنا ذات وجع, لندفن انكساراتنا تحت أساسات خرسانية مسدودة المسام.. لا تسمح لذرة أكسجين واحدة بالمرور.. ها هو الأساس الخرساني يتشقق, و ها هي المياه المالحة تنخر في أسياخ الحديد.. تتفتت شيئاً فشيئأ.. تنفجر الأرض المصنوعة.. و تظهر من جديد الأرض الأم.. يتسلل الأكسجين من جديد ليقبّل أرضه المسجونة تحت توابيت العلب الممسوخة.. (مزيكا حزايني مضروبة في الخلاط مع تلج مجروش)
كان هدير البحر يغازل ظلال النور التي حاكها قمر يقصّ الحكايات لنجمات و غيمات.. للرمال.. و لغابة مسحورة تنعس في حضن الجبال و لا تنام..
كيف لم أر كل هذا الجمال؟
تبدد الخوف.. تبدد انكساري.. ملأت صدري بذلك الهواء الجديد.. استنشقت حنيناً إلى حنين لم أتذوقه من قبل..(مزيكا متفائلة من متتابعة إنشكاح اليعسوب العائد إلى غيط الكستناء)--

كعزف منفرد أو كالصورة فى البرواز يخطف الراوي الأبتسامة ويزيحها قليلا لحساب هذا الجانب الذى أصبح معهودا فى فوزي تلك" الجذبة" التى تبرق فجأة كبرق يبدوا من جانب النص ويوشم علامته بإضاءة سريعة ترسل رسائل مفتوحة لنوع من الوعي مدرك وملموس ولكنه مسكوت عنه ومحاصر بخطاب جاهزللسخرية منه لهذا يحرص الراوى على أن يكون هو نفسه أول الساخرين منه في البداية (قاعد بولول زي النسوان) و في الختام (مزيكا حزايني مضروبة في الخلاط مع تلج مجروش)، ولكن مع ذلك تبقى هذه الجذبة كرسالة مشفرة محاطة بكل عوامل تمويهها تترك" لتنتخب" متلقيها وتراكم لفوزي هذا الخيط شديد المتانة الذى يربطه بعمق بواقعه عميق الغور وأصل جذوره ما يشابهه فى هذا الخطاب مع هؤلاء الظرفاء قي تاريخ السرد العربى كأبو دلامة وجحا وعيسى ابن هشام حتى نصل لفلاح كفر الهندوه هذا الخطاب شديد الالتباس لكنه التباس مقصود ورائه رؤية تديره بانتباه ودراية وما هو جدير بالاحتفاء أن التواصلات مع النص تلامست مع هوامش المعنى بسهولة شديدة


الهوامش
(1) راجع الفوزيات مقدمة نص" فوزى الكلب"
(2)هنا موضع سردى شديد
........................

إقرأ أيضاً:

حكايا المدونات هل هو نوع أدبى جديد؟


مرثية البحور المحروثة



تناول كوباً من لبن العصفور ثم ذهب لحرث البحر..
و قبل أن ينتهي من حرث البحر بوقت قصير اصطدم معوله بالخير الذي عمله أحدهم ثم رماه في البحر دون انتظار لمكافأة أو حتى لكلمة شكر, سالت الدماء من الخير المرمي و ظل يصدر أنيناً خافتا تشبهه الموسيقى و لا يشبهها, فانفطر قلب فوزي حزناً و عض أصابعه ندماَ حتى انفصلت عن كفيه, لم يتبق من أصابعه العشرة سوى وسطى اليمنى..
مرت الأيام و قلب فوزي المنفطر لا يتوقف عن النزف, و مقلتاه لا ترتاحان من ذرف الدمع, و صوت الأنين الخافت الذي تشبهه الموسيقى و لا يشبهها يمزق الدنيا من حوله, لم يعد فوزي يسمع صوتاً سواه, و لم يتحرك من أمام القبر الذي صنعه "للخير المرمي" بعد أن قام بدفنه وسط البحر المحروث, ثم زيّنه بورود مكلومة لا تحيا و لا تموت.. لكنها ترقص كبلورات الملح في جرح لا يندمل, و تذوب مع الأنين كقطعة سكّر في حنين لا يكتمل.. عذوبة الألم أنت, أم ألم العذوبة أنت أيا أنيناً لخير نسيه صاحبه ذات يوم..
ذلك الصباح كان مختلفاً.. حين مر الغريب ببحر فوزي, و حين اقترب منه حيث ينوح, وسط البحر المحروث و أمام قبر يزدان بورود مكلومة..
بحثت كثيراً يا فوزي في كل البحور المحروثة..
نجحت في جمع كل الخير الذي رميته في كل البحور..
و تبقّى خيرٌ واحدٌ.. نسيت في أي بحرٍ رميتُه..
و حين تذكرت..
جئت لبحرك يا فوزي..
فعلمت أنك وجدت آخر خير صنعته..
آخر خير رميتُه في بحر..
لا تذرف الدماء و الدموع يا فوزي..
أنا هنا لأشكرك..
لأنك طهرتني من آخر حماقاتي..
خلصتني من أسوأ ألقابي..
لن أحمل لقب "العبيط" مرة أخرى..
و لن يركلوا مؤخرتي بعد اليوم..
وضعت كل الخير الذي قدمته لهم أمام أعينهم..
لم يستطع أحدهم إنكار خيري عليه..
ما أجمل انحناء رؤوسهم اعترافاً بالجميل..
ما أحلى انكسار عيونهم خجلاً من المعروف..
لذة المَنّ ليس كمثلها لذة.. صدقني يا فوزي..
سلمت يداك و معولك يا فوزي..
أدام لك الله إصبعك يا فوزي..
منذ الآن أنت صديقي..
أنا خلّك الوفي يا فوزي..
مضى الغريب عائداَ من حيث أتى بعد أن قام بنبش القبر, حاملاً معه خيره الذي رماه لينساه..

و تبخر صوت الأنين..
و عاد الصمت..
جف الدم و الدمع.. و سافرت الورود..
التقط فوزي معوله مرة أخرى و ذهب ليكمل حرث جزء صغير من بحر كان قد أوشك على حرثه, و لحسن الحظ كان يمتلك إصبعاً (وسطى اليمنى), و لحسن الحظ أيضاً نال صداقة الخلّ الوفي ذلك الغريب الذي مر ببحره مرتين في أحد عهود المشمش..

قبل خلوده للنوم و قد أنهكه التعب بعد أن أتم حرث البحر, كان فوزي يبتسم بخبث و هو يحكّ جبهته بإصبعه الوسطى و يقول: بس إياكش يطمر يا عم العبيط...
........................


علان العلانى

قراءة فى مرثية البحور المحروثة


العنوان والصورة

ملاحاقات الأثر ومراوغات المعنى

يدق العنوان مرة أخرى "كل أجراس الانتباه" فعندما يستحيل الواقع لايبقى للمعنى إلا ما يلامس الجذور عله يصادف عصبا مازال حيا في هذا الموات المقيم(1) فلطالما كان الفلاح بعلاقته المباشرة مع الأرض يكتفي بثماره عن أقواله فبين الأرض والفلاح والحرث علاقة وجود أزلية مذ كان الناس وكان الوجود لهذا " فخيره" كان دائما لغيره كعقد غير مكتوب بينه وبينها لتزداد به التصاقا ويكون له بها جذر الوجود -- بيت /وطن/أصل/ فصل / قبر-- ولحظة الحرث فى الزراعة أحد بنود هذا العقد هى لحظة شديدة الجهد عميقة الجدوى وهى التى مكنت لظهور ما يسمى بالحضارات فوق الأرض هذا عندما يكون السياق له منطقه وحدوده الفاصلة،---- ولكن في عالم الحكايا يقلب الراوى والقلب حلقه من حلقات" الحرث" أو يعكس دائرة المعنى فإذا كان حرث البحر مستحيلا فهذا ما يحال على النص نفسه، ولكن قبل ذلك تأتي كلمة" مرثية" أول كلمات العنوان بكل ما تعني دلالتها من معاني لتأسس وتبث هذا الشجن الذى يهيء المخيلة للنزوع إلى حنين غامض على ما يشكله نبل هذا الإدراك بالفعل اللامجدى فى مواجهة ما يبدو مستحيلا ""حرث البحر""، فالرثاء يكون على القيمة المفتقدة/المفقودة فحرث البحر مفهوم كتندرعلى عدم الجدوى فى عالم الفلاحة كما هو حال ناطح الصخر في شفاهيات الرعاه، مما يشكل حقل دلالي يتخطى العنوان ليخيم على حضور النص، ولكن عندما ننتقل الى الصورة يبدو "المحتمل النقدي" وعناصره عاجز عن اختراق المعنى ما يوحي بحيرة الراوي أمام "احساسه بالجدوى رغم كل معطيات"الواقع اللامجدي" فالصورة تستمر في تجاوزها "كتأمل بالغ التعقيد فى المعنى" كما فى نص( الأورجزمه) وكما فى نص( يوم أينعت رأسى وحان قطافها) لكن الصورة هنا فى تواصلها مع العنوان تنحاز الى عالم السارد الداخلي ما يستدعي لخاطرة جلال الدين الرومى وتسائله المضىء: ولكن ما الصورة إذا جاء المعنى؟(2) وهكذا جاءت الصورة تفرض على الرؤية التجاوز الى النص مستعصية على التأمل— ويبدوا سطح الصوره كمحاولة لزحزحة الافق المحدود الحاوى والقابض لرؤية متجاوزة لمحيطها تنشد الوسع ورغم البريق والشفافية البادية الا ان البلور يبدو بسطحه الأملس المستغلق الاحكام شديد المناعة وصلدا، لوهله يحتار المتلقى هل هذا السجين/الشبح داخل البلورة أم أن هذا هو أنعكاس صورته على سطح البلوره الا ان التكوين ينجح فى تعليق المعنى رغم ترجيح الخلفية الضوئية المرجح، ألى أن يتلامس بعض شعاع المعنى مع الثلث الأخير فى المقطع الأول من النص فالبلور المذهب بحياده كوسيط يعكس الشكل ولكنه يحجب الرؤية نتيجه لنقاء صقل البلورمما يذئبق المعنى، ففى مستدعى وان بدا مفارق (ملمح لشبح سيزيف متوحدا داخل الصخرة التى تحولت لبلورة تحتويه فى مقاربة موازية لعملية حرث لكنها فى الصخرومع الاقدار) وهكذا ينفتح المعنى على مستدعيات أخرى للصورة هذا "التأمل بالغ التعقيد في المعنى المشار اليه" –{ فسيزيف لم تعد على أكتافه الصخره –يحملها الذين يولدون في مخادع الرقيق – والبحر—كالصحراء – لايروى العطش، لان من يقول " لا" لا يرتوى إلا من الدموع!} (3) ليبدو النص البصرى هنا (الصورة/التكوين) كنوع من التواصل بين الموسيقى والنحت، فتلك التكوينات البصرية التي لها عدة تطبيقات أخرى (4) كمقاربات لنوع من التواصل والتراسل بين الفنون(الرسم /التصوير/ الموسيقى/ النثر /الشعر/المقال/الحكى/الكليب) أصبح لها""خطابها"" الداخلى داخل بنية المدونه يراوغ المعنى والأثر بين وضوح الرؤية وعجز الارادة كما تجلى فى نص الأورجوزمه وما تلاه من تدوينات علي سبيل المثال

النص

لبن العصفور وأوتار الهدهد
المسافات بين الذكرى والنيسان

ينقسم النص هنا أيضا كما فى الأورجزمه الى ثلاث مقاطع بثلاث حركات يبدأ أولها، متواصلا مع العنوان وفى تكوين سردى متلاحق ينفذ الراوى الى عالمه الخاص الذى أصبح كمدينة مسحورة تفقد فيها المعانى جاذبيتها المنطقية وتتفكك تماسكاتها الدلالية وتنقلب رأسا على عقب، ففى جملة من تسع كلمات: (" تناول كوباً من لبن العصفور ثم ذهب لحرث البحر.." ) وهكذا بمباغتة سردية كالسهم النافذ يخلخل الراوى مستحيل العنوان بمستحيل موازي ليكون لبن العصفور هو الترياق الممكن، فإذا كان"حرث البحر" فعلا مستحيلا فليتقوت الحارث قوتا مستحيلا ليصبح" لبن"العصفور هذا السائل الذى يستثير في المخيلة تندرا على الاستحالة، كما هى رؤية حلمة الأذن، كوبا جاهزا للتناول وليتحول حرث البحر إلى عمل ذو جدوى، من الممكن الانتهاء منه فى أمد معلوم، وقبل أن ينهي سطره الأول يعاجل الراوى بمعوله مخيلة المتلقي قبل تهيأها لتجاوزالتلاحق السردى معتمدا على الرصيد الشفاهى لأيقونة (أعمل الخير وأرميه فى البحر) (5) موظفا لها ومغلقا الدائرة حول مخيلة المتلقى ساحبا له" لمنطق /لامنطق" عالمه تماما ليتراكم المشهد حول هذا الذى شرب لبن العصفور وذهب ليحرث البحر لكنه إلى الآن لم يواجه المتلقى بوجهه، وينهمك فى العمل، وتتكامل للمباغتة السردية عناصرها بتطور درامى سريع فيصطدم معوله "بالخير" الملقى من أحدهم هذا الخيرالذى يتحول لكائن حى يأن موسيقى ويتوجع وتسيل منه الدماء في أثناء اندماج الحارث فى حرثه ليظهر فوزي فى مشهد شديد التعقيد بين الأنين والدماء والموسيقى والألم المتبادل والندم المتجاوز الى الشعور بالجريمة والمتبوعه بالعقاب الفوري والعاجل والفظيع معا تاركا المتلقى بين الدهشه والفزع "فقطم كل هذه الأصابع دفعه واحده في فعل"أوديبي" "تطهرى" رغم أفتقاره الي المأساه؟! لذا فهو يقترب الى حد الجنون والتوحش (عض أصابعه ندماَ حتى انفصلت عن كفيه, لم يتبق من أصابعه العشرة سوى وسطى اليمنى) ولكنه رغم كل هذا يغرس بمنتهى الخفة"حيله سردية" بحجم الأصبع لها حينها،

وهنا يجب التوقف قليلا فظهور فوزي إزداد تماسكا و كثافة بحضور عميق الدلالة شديد الجاذبية وبدأ يستحضر طقوسه ،لقد زحف فوزي فى عالمه السردى وأصبحت له قدرته الذاتية على المناورة التى تكاد أن تحاور الراوي.

ترك السارد للمتلقي ومخيلته فرصة للتنهد ليعاود إغراءه "بكل ما تعنى فى المخيله كلمة " مرت الأيام" تلك التنهيدة التى تعبر شفاهة عن براحة الارتجال في الحكي وتعطي للخيوط السردية استطالتها وللمتلقي الترقب، فوزى عليل القلب دامع العينان، لقد تحول الخير المرمي الى جثه/عدم دنيوى " تحول الى خير حقيقى" وهنا لابد من الانتباه أن تلك المدينة التى يشرب فيها لبن العصفور ويحرث فيها البحر ويتحول فيها عمل الخير الى كائن حى هي ليست مدينه معاكسة لما يصطلح عليه في عالم الواقع، ، فقابلية عمل الخير للموت فيها لم تكن هى المشكلة و ليس حرث البحر ولا لبن العصفور ولكنه احساس فوزى غير المبرر الذى بدى فيه وكأنه ينتمى لثقافة الخطيئة الأولى هو ما مكن للسارد إنشاء أحجيته السردية لتتكامل للنص بنيته الساخرة ، ينهى السارد هذا الجزء من النص موظفا تلك الموسيقى/الأنين الذى (يشبه الموسيقى ولا يشبهها يمزق الدنيا من حوله" ليخيم جو الرثاء بكل طقوسه الصوت/المقبرة/الورود الذى يختم بها الراوى حكيه فى هذا المقطع بقطعة وكأنها هامش ضوئى للصورة فهو يصف الورود في ثنائيات متقاطعة وتكوينات جمالية محبلة بالمعنى بين الموت والحياة /الرقص والبريق /الملح والجرح /عذوبة وأنين وهكذا بين دفن الخير المرمى ونهاية المقطع اللأول كان حضور الصورة هو فائض المعنى.(6)

هوامش على المعنى

يبدأ السارد المقطع الثانى فى تواصل بديع الرشاقة فبين كلمتى –ذات يوم/ ذلك الصباح (7) كانت هناك انسيابية تحاكى موج البحر الهادي ولكن تأتى جملة " ذلك الصباح كان مختلفا" لتنعش للمخيلة توجساتها التى يؤججها السارد بظهورالغريب " فاعل الخير" والذى بدأ وكأنه يعرف فوزي بل كأنه يراقبه فهو لم يحتاج لأى ايضاح من فوزي الذى ظل على ألمه ولوعته ونواحه، فى ظلال رثاء مخلوط بندم مجهول المصدر فهو كان يمارس عمله ولم يتعمد إصابة هذا الخير المرمى الأمر الذى يشوش المخيلة ويبقيها على حذرها من فوزي ، يتواصل الغريب مع فوزي وكأنه يتحالف معه على المتلقى يأتى ومعه كل الإجابات ليعيد لعالم فوزي هدوئه ويلملم خيره المسجى يأتى ليحل مشكلته ومشكلة فوزي بسبب عملية" تذكر" مفاجئه وبين لذة المن "الذريعة الملتبسة بأيحاء الأنصاف المفتقد" وسلمت يداك وأدام الله إصبعك يا فوزي أسفر النص عن سخريته العميقة فهذا الغريب في غاية الغموض ورؤية فوزي له لم تكن تميل الى الحياد، لقد" نبش" القبر، والنبش كلمة وإن كانت تعبر عن الفعل بدقه إلا إنها ثقيلة على القلب وهكذا حال لايكون من" خل وفي" مجهول الإسم والهوية الذى أتى لياخذ معه خيره المسجى و" يعالج عبطه المدعى" ومؤخرته الكليمة" ليحصد لذة المَنّ وأذاه "---وألم فوزي----وهكذا ينتهى المقطع الثانى باختفاء الغريب وبنية الحكايا إلا من أثارها على يد فوزي التى تترك المتلقي فى حيرة من الكيفية التى يتعامل بها فوزي مع(8) معوله

يبدأ مشهد الختام في المقطع الثالث" كحتمية درامية" بعودة الصمت (وتبخر صوت الانين-- وعاد الصمت-- جف الدم والدمع--- وسافرت الورود)، لهذا عندما التقط معوله! مرة أخرى ليكمل حرث البحر ولأول مرة استخدم "أوان المشمش" فى موقعة الدلالى متجاوبا مع ما السياق اللالى المتوارث عن مقولة" الخل الوفي" (في المشمش) كمستحيل من المستحيلات الثلاث ممهدا لأستعادة حيلته السردية التي طمرها فى بداية الحكايا، قالبا بخبث شديد عالم الحكى رأسا على عقب مرة اخرى فى اشارة" غير ودية" (لخبثه/ حرصه) الشديد على الاحتفاظ باصبع الوسطى وحركية عقله الثلاث فى اليد اليمنى( أن بقي لليد حيله) فهكذا يد لم يعد لهاالا محيط محدود و" غريب " ؟! بعض الشىء-- من الفعل فى دعم مباشر--- لكلمة الختام التى تنهي كل الحكايا


---------------------------
الهوامش

(1)
http://en.wikipedia.org/wiki/For_Whom_the_Bell_Tolls

http://www.4uarab.com/vb/showthread.php?t=11151

(2) تبدو بعض ظلال التباسات نص الأورجزمه ما أدى الى شرح النص من مبدعه الى جانب" التعقيب"االذى أضطر له المدون/الراوى في النص السابق ( رجل أسد وبردقوش)
يقول جلال الدين الرومي"المرء مع من لايفهمه مثل السجين"

(3) أمل دنقل –كلمات سبارتكوس الأخيرة
لاتحلموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد--(حرث آخر)

(4) أنظر على سبيل المثال تدوينات--البديات اللأخيره—مارس 14/ 2006
كلام مرسل وخلاص--- أبريل 12/ 2006
تشتهينا المساحة----- أبريل 26/ 2006

(5) راجع تدوينة فوزي أمثال--- ديسمبر 5/ 2006

(6) النص هنا مكتمل التكوين بحيث انه لو انتهى هنا نهاية( المقطع الأول) "أم ألم العذوبة أنت { أيا } أنيناً لخير نسيه صاحبه ذات يوم.."، فالنص هنا يبدو منسجم مع أتساع رؤية الراوى كما تبدو فى الصوره( قارن على سبيل المثال ببوسط---نافذة الجنون- أغسطس 31/2006 وهو من البوستات التى أختفت فيه الصورة) ولكن يبدوا ان ظلال التلقي عموما على نص الأروجزمه كان له شبح حضوره ، لايفسرذلك الا حميمية العلاقه بين الفنان ومحبيه فهو حريص على التواصل لهذا فتح الإفق للمعنى بين العنوان والصورة ، ثم جعل من الثلثين الاخرين من النص تنويعات مختلفة على المعنى كنوع من تفكيك اللأثر فيما يمكن ان يكون "هوامش على المعنى "

(7) يستخدم الراوى هذا التكنيك السردى ، أو كما أشرت فى نص الأورجزمه تلك( الخاطفه السردية) كنوع من الوصل والفصل

(8) يمثل العجز والتعجيز ومحاولات تجاوزه علامة مصاحبة لفوزي يقابله فى الآن تماسك شديد الصلابة وأن بدا غامض المصدر أمام هذه الاشكالية الجوهرية( العجز المقيم) هذا التماسك الذى يتخطى الذات وقوانين الوجود كصراع، بتكنيك هو مزيج من السخرية ظاهره اللامبالة وباطنه إيمان عميق بالقدر


يوم أينعت رأسي و حان قطافها



أخبرني بعد أن فجّر رأسي برصاصة واحدة أن الآمر ليس شخصيا, و أنه يقوم بواجبه فحسب, ثم دعاني لتناول العشاء في منزله الذي لا يبعد عن موقع استشهادي سوى بضعة أميال..
حملني إلى سيارته, و مدّد جسدي على المقعد الخلفي, ثم انطلق بنا عبر الشوارع المكتظّة برجال و نساء و صغار فقدوا رؤوسهم مثلي.. طلبت منه أن يرفع صوت المذياع قليلاُ لأتمكن من سماع اسمي ففعل, تنفستُ الصعداء حين نطقت المذيعة - بصوتها الدافئ- اسمي الثلاثي و حين دعت لي و لرفاقي بان يتغمّدنا الله برحمته و ان يسكننا فسيح جنّاته..
وصلنا إلى البناية, حملني مرّة أخرى و صعد بي إلى الطابق الثالث, طلب من زوجته أن تعدّ لنا العشاء, ثم جلسنا نحتسي الشاي, بعد أن شبعت و استعدت عافيتي و اتزاني.. تحدثنا و تسامرنا و ضحكنا حتى وقت متأخر, و حين هممت بالنزول أخبرني بأنني قد أتألم قليلاً حين أفيق من نومي في الصباح, و أن هذا شيء عادي لا يدعو للقلق و لن يستغرق سوى بضع ساعات, فحين فقد و زوجته رأسيهما في الأسبوع الماضي عادت الأمور إلى طبيعتها بسرعة....ناولني مسدسه بعد أن أعاد حشوّه.. شكرتُه و زوجته على كرم الضيافة, غادرت متوجهاً إلى منزلي, فضّلت السير عن استقلال الحافلة, كنت أشعر بكثير من الارتياح بدون رأسي الذي لطالما جثم على عنقي, و لطالما استهلك ميزانيتي على تلك الحبوب المسكّنة التي أدمنتها أخيراً.. ما أجمل ملامسة هواء الليل البارد لجسد لا يحمل رأساً.. قبل أن أخلد للنوم بعد هذا اليوم الحافل... تحسست مسدسي و تأكدت من أنه محشوّ بست طلقات ثم وضعته تحت وسادتي و دعوت الله أن يثبّتني, فغداً ينبغي عليّ أن أقوم ببعض الواجبات..

انتهى
..............................



الشكل والمعنى وفتنة الحكى
قراءة
ولكن ماذا عن الرؤس التى لم تينع و تقطف تحسبا؟
هكذا ---- إذا
الحجاج بن يوسف الثقفي " المبير"
وها هو العنوان مرة أخرى فى تجاذبه مع الصورة ينشىء حقل ملغوم الدلالة فإذا كان ما بين العنوان والصورة ما بين البذر " والأيناع " والقطف فها هو الراوى يعبر فى المساحة الملتهبة بين التغافل والتخادع والخضوع تلك الشعرة الجهنمية التى تتحول فى يد القابض عليها الي حبل مشنقة بينه وبين الناس، وتتحول فى قبضة الراوى إلى جمرة بين واقع المركز الذى تندب فى عينه رصاصة، وصدا الهامش، لهذا فيكفى أن " يقوم بواجبه فحسب ليكون "لاشتشهادى معنى" وأستحق الدعاء المعلن بالرحمة من المذيعة وصوتها "الدافئ"

ابدأت تحصى أضلعك؟
كم من ضلوعك والحصار يضيق
قد وقفت معك؟

فإذا كان تماسك الرؤية يظهر بداهة فى العنوان وشبكة دلالته مع صدى المركز"فها هو الحجاج يقولها مرة أخرى--- وهو فى الرمق الأخير"اللهم أغفر لى فإنهم لا يصدقون ذلك" وهكذا جاء الحقل البصرى بصورة شديد الجاذبية تفعله تركيبة شديدة الرهافة والحرفية يوظف فيها الغياب للحضور فالعربة محجوبة داخل شبكة من القضبان الدموية لتفعل حقل ضوئى ملائم للعنوان وتخفى العلامة بين تماس الصورة والعنوان"أرى الدماء تترقرق بين الرؤس واللحى"
وهكذا فى تلك المساحة للنمو ما بين بذر الرؤية،والأيناع فالصورة الشعار/العربة بين سجنيين أو محبسين سجن القضبان الدموية من الخارج وسجن الضباب/الغيوم الذى يبدوا وكأنه تحول إلى سائل ثقيل شديد اللزوجة وكأنه يمتص الحياة/الحيوية من تلك العربة/الشعار تلك العربة الرشيقة التى هى فى عالمها التدويني كالفراشة المتنقلة كالمهرة العربية الاصيلة تبدوا فى الصورة وقد قهرها الأسروكأنها مريضة ، وفى حين يتعامد العنوان مباشرة مع التاريخ ليجول بنا ويصول فى اروقة الكوفة وواليها الذى تمثل بقول سحيم الوياحي" الجاهلي""أنا أبن جلا ووطلاع الثنايا –متى أضع العمامة تعرفوني" هذا "المبير" الذى نسج له التاريخ بحيرة من الدم القاني كافية "لخلوده" كمؤسس من المؤسسين لبنية القهروالقمع فى الخلافة الإسلامية منذ بداية ظهور الخلافاء غير الراشدين وهم" كثر"، هذا الذى بدا كعلامة فارقة للسيف حين يفصل بين السلطة والناس
------------ -------------------
النص-- بين القطف والقصف
بين الرأس والذيل

آه—من يوقف فى رأسى الطواحين؟
ومن ينزع من قلبى السكاكين؟
ومن يقتل أطفالى المساكين
لئلا يكبروا فى الشقق المفروشة الحمراء
خدامين
مأبونين
قوادين
أمل دنقل/ قصيدة "خاتمة" العهد الآتى

"هكذا والعين تندب فيها رصاصة--- نؤيد سياسة بوش فى العراق" يا أخى-آه
الى متى تتحول هذه الشعرة الى حبل مشنقة بيدهم ولماذا هذا الرخص المهين؟


إذن هو" الوأد" الوأد غير المنحاز " وأخيرا لافرق بين الذكر والانثى" والوأد سببه الخوف من الآتى الخوف من القادم من العوز الإملاق من المستقبل" المستنفذ" وغياب الأمل/ الإيمان تماما" فالوأد هو اليأس المطلق من الجدوى—فالوأد مثل الوجه المحروق متداخل المعالم فلا نستطيع/ نتحمل التحديق فيه،الا بنظرة لا تملك الا الاعتذار عن النظر الإضطرارى،ثم نتجاهل الرأس وننشغل بالأشياء الأخرى "ما أجمل ملامسة هواء الليل البارد لجسد لا يحمل رأساً.."

فإشكالية " هذه الفتنة أنهاغير أى فتنة " أنها عندما تستيقظ فهى كالرصاصة بعد انطلقاها وسطوتها المأساوية تكمن فى انها خارج مملكة الرأس تماما ولا يتحكم فيها حتى من أيقظوها--- بأغواء "هذا" أو أمر ووعيد" ذاك" وحينهاسيتنصل "هذا وذاك" كما حدث مرارا-- أنها الفتنة لاتبقي ولا تذر-- تراها قادمة حسيسة الخطى تتقدمها رياحها الخبيث، وأنت ناظر إليها وكأنها القدر يدب وتقترب خطواطه " لقد أدركت أنها مسالة نسق--- لهذا فهو لم يحتاج لتوضيح أى شىء ولم يبذل أى مجهودلآقناعى بعد أن فعلها" فقد" هو--- أخبرني بعد أن فجّر رأسي برصاصة واحدة أن الآمر ليس شخصيا


أورجزمه



...بعد مرور أقل من ساعتين على خروجه من البيت بحجة السفر إلى الاسكندرية في مهمة عمل كما أخبرها, عاد فوزي ثانية للبيت استكمالاً لخطته في مفاجأة فوزية بعد أن اطمأنت إلى رواية سفره و تغيبه لبضعة أيام... خلع حذاءه و أدار المفتاح بهدوء, تسلل إلى الشقة على أطراف أصابعه متوجهاُ إلى غرفة النوم.. وحين اقترب من باب الغرفة الموصد, تسارعت ضربات قلبه وهو يتخيل مشهد وقع المفاجأة في عيون فوزية.. تصبب العرق من جبينه, و شعر بمزيد من التوتر, ثم بشيء من الجوع.. فاتجه ناحية المطبخ ليسكت معدته قليلاً قبل قيامه بمباغتته الموعودة, كان لا يزال يحمل حذاءه.. فتح باب الثلاجة فوجدها خاوية إلا من بيضتين يتيمتين, قام بخفقهما في كوب, شربهما دفعة واحدة, ثم تجشأ, توجه فوزي ثانية إلى غرفة النوم و فتح الباب عنوة.. فوجد فوزية تغط في نوم عميق.. جلس إلى جوارها و أيقظها بقبلة على جبينها (و كان لا زال يحمل حذاءه)..
كل سنة و انتي طيبة يا حبيبتي..
سألته بنبرة متثائبة: هو انت ما سافرتش يا فوزي؟
لا يا حبيبتي.. كنت عايز أفاجئك في يوم عيد ميلادك..
فاجئتني بجد, عليك لفتات و حركات مالهاش حل يا فوزي..
فوزية ممكن تسامحيني؟
على أيه يا حبيبي؟
ما جبتلكيش هدية معايا..
كفاية عندي يا فوزي إنك افتكرت و فاجئتني كالعادة باحساسك و حنية قلبك, ده عندي بالدنيا, ده أجمل هدية..
ربنا يخليكي ليا يا فوزية, أصيلة و الله, لولا الملامة كنت جبتلك الدنيا بحالها..
عيب يا فوزي ما تقولش كده, أزمة و حتعدي, الفلوس بتروح و تيجي, و الحب هو اللي بيفضل, انت زادي و زوادي و دنيتي..
بحبك يا فوزية..
بعشقك يا فوزي..
ضمها إلى صدره بشوق و هو لا يزال يحمل حذاءه..
تبادلا الاشتياق بلهفة.. حتى الارتواء, و كان لا يزال يحمل حذاءه..
في هذه الاثناء كان هناك رجل في المطبخ يفتح باب الثلاجة ثم يندهش لعدم وجود بيضتين وضعهما بيديه قبل خلوده للنوم مبكراً كعادته, أغلق باب الثلاجة و هو يستشيط غضباً متمتماً: مراتي هاجراني بقالها سنتين قلنا ماشي أنا غلطت كتير في حقها و وريتها أيام سوده, بس تقوم تاكل البيضتين اللي حيلتي و أنام من غير عشا, دي تبقى سفالة وقلة أصل, الله يحرقك يا فوزية يا بنت المفجوعة,يلعن ميتين أهلك.. توجه إلى غرفته المجاورة لغرفة زوجته و أغلق الباب متمتماً بمزيد من اللعنات..

انتهى.
..............................



قراءة فى الأورجزمة-1

هناك نصوص نكتبها ونصوص تكتبنا ولكن هناك أيضا نصوص مثلها مثل بعض العروض السنمائية التى تحتاج الى منظار خاص لمتابعتها فقد بدأ تاريخ فوزى فى التراكم مما انعكس على أجراءات استدعاءه، لم يعد فوزى جسر محايد لعبور النص أصبح بشكل ما عنصر ثقيل الكثافة له علامته على المعنى والدلالة لهذا فبين فوزى والعنوان مساحة تجاذب تستحق الانتباه فالعنوان يمثل شكل من أشكال الازدواج بين قمة ذروة الشهوة واللذة فى وجه وأسفل ما يعبر به عن الإهانه من جهة أخرى، ولا يزال المشهد الإعلامى به أثر من مجموعة من الجزم التى كانت لها حضور من النوادى الرياضية حتى داخل قبة البرمان بين اللذه المستورة او المختلسة والجزمه المشهورة (من الإشهار) أو المرفوعة إشارة للقوة وعدم الاكتراث وتوجيه الإهانة أو الملبوسة لحماية القدم من خشونة وقذارة الطريق، وهنا تطل الصورة لتكون حدودا للمصطلح فهناك فرق بين الوضع والاصطلاح بالنسبة للكلمة فعلى سبيل المثال" التدوين" من (الديوا ن : جمعه؛ دوَّن أسماء موظفي الدولة في سجلات خاصة.- الكتبَ: جمعها ورتَّبها). هذا على مستوى الوضع أما اصطلاحا فما نحن فيه هنا أصبح تدوينا وهكذا-- لهذا فتلك الصورة المزدوجة ـأيضا لفردة الحذاء الغامضة الوجهة شمالا أم يمينا تدخلها القدم أم تلتهم القدم؟ ويكون السؤال ولماذا كل هذاالافتتاح الذى يأتى على خلفية اغتيال آخر شديد الصخب لفوزى مع بداية/ نهاية عام بين الوداع والاستقبال؟ واذا كان فوزى تلاعب فى البوسط السابق بين الظهور والاختفاء فهل بهذا العنوان يمهد لتلاعب من نوع جديد بين الفرادة والازدواج؟
وترى كيف يكون للعنوان كل هذا الحضور ففى هذه التدوينة كون العنوان مع الصورة حقل شديد الخصوصية ينفتح لكل البذور وتشتهيه المواسم لا تكاد تخرج من صداه الدلالى حتى تعاود الانتباه له ولكن عندما تتحرك لمسافة كافية داخل التدوينة لا تخطىء العين هذا الشجن الحزين الذى يستدعى تلك الموسيقى وعالم التواصل ذو السبع حروف فكم كان ملائما القراءة على هامش تلك المقطوعة – كنت أتسائل كيف يستطيع فوزى أن يمارس هذا التزحلق على الجليد فى هذا المناخ وتلك الزلازل وأكوام القمامة التى تقزز النفوس ، فتكاد صورة الحذاء ان تزكم الانوف ا رغم حدود الصوره وعالمها لقد كان المجال بين الصورة والعنوان يذكر بمشهد الصراع بين الكوبرا والنمس داخل حقل بصرى محايد عبر شريط بطىء العرض فالكلمة" العنوان" تكاد تكون مرسومة أقول رغم هذا لم يستطع النص أن يخرج من مجال الجاذبية الارجزمانية ليمهد لمشهد شديد الحزن رغم طرافته



عزيزي ابو الليل
هذه القراءة هى مجرد قراءة على هامش نص الأورجزمه

هامش البداية
نحن هنا فى هامش الهامش نص كاتبه مجهول وقارئه مجهول طبقا لشروط عالم المركز" للمعروف"، النص تحت عنوان أكبر واضح الانحياز للهامش" ياااااأخى احه" يبدأ وينتهى بها بكل ما تعنى الكلمة وما لاتعنى أيضا، لهذا فالنص يبدو مستريحا فى عالمه الخاص ومحلقا فى فضاءه العريض--- ولكن هل من الممكن لهذا العالم الخاص اختراق حاجز اللغة والانعتاق من مجال الجاذبية للدلالة ومرواغة الاثر؟


قراءة فى الأورجزمه 2

صدى المركز وأصوات الهامش

النص

إذا كان العنوان و الصورةالتي هى هنا " كتأمل بالغ التعقيد في المعنى" ( لوران بارت) يمثلان جزءا رئيسيا فى "النص التدوينى" كمفتاح لدخول عالم الحكى فيه فجسم النص ينقسم الى ثلاث مقاطع بثلاث حركات يبدأ المقطع الاول:

بمباغته سردية تعتمد على مخيلة مستهلكة لمشهد مثير من المشاهد التى كون لها العنوان التباسا مناسبا يبدأ الحكى ويمهد لتسابق بين التوقع والإثارة—غياب " بحجة السفر الى الاسكندريه" يصنع التوقع و يدعمه جملة بعد جملة (خطته لمفاجأة فوزية) ---(اطمئنت إلى رواية سفره)-(تغيبه لبضعة أيام)-( خلع حذاءه وأدار المفتاح بهدوء)- (تسلل/أطراف أصابعه/متوجها) وهكذا فى دعم متواصل ليكتمل الاغواء ويأخذنا الى أقصى اكتمال لدائرة الخيانة المستوطنة داخل المخيلة ثم يتجاوزها ويفاجئنا ب—نياهاهاها مضمنة(1) بعد ان "فتح الباب عنوه—فوجد فوزيه تغط فى نوم عميق، وهنا فالنعاود التحديق فى هذا الاغواء فى البداية ليشركنا معه فى مفاجأة فوزيه وقبل ان نكتشف اننا نحن المستهدفين بالمفاجئة فعيون فوزية كانت قريرة وفى نوم عميق ولم يكن فيها"اى اثر لوقع اى مفاجأه" –ولكن تلك المساحة بين توالى دعم المخيله والمتخيل بأغوائية مشهد الخيانة الذى يمثل ذروه درامية ملغمة بعناصر الإثاره(جنس/غدر/ /عار/) ومنفتحة على ممكنات ملغمة من جهة أخرى بردود فعل (صدمة/أنتقام/قتال) ففوزى قادم من بوسط قتل فيه شله من الاصدقاء لمجرد النميمة(2)، لقد خيمت أجواء الجريمة فى توقعات البداية فجريمة الشرف لها بنية متكاملة فى المخيله الشرق اوسطية وإن لم تختلف فى ملابستها فى أطارها الإنسانى عموما، وبشكل غامض لاتنسحب على الرجل بقسوة الا إذا كان صديق أو قريب للزوج، لقد دعم جو الجريمة وهييء بدلالات متوالية من بداية كلمة" خطته"" ضربات قلبه" "تصبب العرق" الى أن "فتح الباب عنوه ولكنه قبل ذلك وبخفه متناهية راعى فيها قدر الإمكان عدم كسر نغمة الحكى مستخدما كلمة فى غاية التوفيق كلمة "التوتر" ببراعة متناهية على مستوى الحكى وعلى مستوى الانصات كل هذا بجمله فى غاية التوفيق فهو لم يقطع الجمله بل نسج الجمله نسجا ملتفا واخفى عقدة الخيط بمهاره " و شعر بمزيد من التوتر ثم بشيء من الجوع.. فاتجه ناحية المطبخ ليسكت معدته قليلاً قبل قيامه بمباغتته الموعودة، كان لا يزال يحمل حذاءه.. فتح باب الثلاجة فوجدها خاوية إلا من بيضتين يتيمتين, قام بخفقهما في كوب, شربهما دفعة واحدة, ثم تجشأ," وهنا بالضبط الموقع الذي وضع الراوى حيلتين وتمويهتين: الحيلة الاولى بالاشاره للحذاء وهى لتدعم بنية السرد فقد أشار الراوى للحذاء خمس مرات فى خمس جمل متفرقه فى بنية النص حتى مشارف الجزء الثالث منه" وهنا وقفة مهمة فالحذاء لم يغادر العنوان وفى نحت الكلمة بموضعتها بين لغتين

{أورجزمه/orgasma}

والجزمه/الحذاء هي الصورة على الحقيقة فى عالم (كفكوى)3) --- ولكن إذا كان هذا على مستوى العنوان والصورة فما دور الحذاء فى النص؟ يبدوا أنه يمثل عصا الساحرالتى تأخذ العين بعيدا عن مكان الحيلة، وهنا نأتى لموضع الحيلة الثانية: البيض-- وهو رمز من الرموز التأسيسية للمدونه او المعادل الموضوعى لفوزى—وتلك قصة تستحق التوقف قليلا "فالبيضة فى المدونه سبقت فوزى (وانحسم الامر الذى حير الفلسفة اليونانية والمفكرين عبر التاريخ (4) ، ولكن لماذا البيض هنا؟ لماذا لم يجد فى الثلاجة فرخة محمرة مثلا؟ وبعيدا عن تفاصيل لها بداية وليس لها نهاية قد يكون البيض تعبيرا عميقا عن الإحساس بالخصاء التام على جميع المستويات وفى كل تفاصيل الحياة المحيطة بل والعالمية هكذا مرة واحدة، وعلاقة البيض بالعنوان وصورته كبنية واحدة واضح الأثر فحركة خفق البيض بخشونتها وشربها دفعة واحدة كلقطة بصرية على طريقة شرب الدواء المرأو الخمر الردىء لتشير بطرف خفى لداء العجز عن الأورجزمه لعالم البيض باختلاف أنواعه، وفى مجال الحكى هو تفعيل على مستويين رمز للقوة من جهة والجهوزية من جهة أخرى قتال /عناق ثم يعود الحذاء مرة أخرى بعدما استقر كتيمة للسردالذي تحول فجأة إلى منتهى النعومة "جلس الى جوارها وأيقظها بقبلة على جبينها".

لتنتهى حركة موسيقية وتنتقل إلى أخرى رغم الحذاء المرافق وظلال صورته " هكذا بكل براءة" كل سنة وأنتى طيبة يا حبيبتى. وتبدأ الحركة الثانية في ظل شبح العنوان/الاورجزمه الذي يستمر في اغرائنا بإثارة قادمة أقل توترا وأكثر تحيرا من موقع حمل مثل هذا الحذاء ذو الاسنان المتوحشة، فى اليد؟ تحت الابط؟ " سألته بنبرة متثائبة: هو انت ما سافرتش يا فوزي؟"لتحبط فوزية بتلك الجملة اللامباليه كل مثيرات المخيله وتفكك الخطة ليقوم فوزي هو الاخر بالتحالف مع الاحباط بتفسير بسيط لكل دوافع المقطع السابق" لا يا حبيبتي.. كنت عايز أفاجئك في يوم عيد ميلادك.." ولكن لا تترك فوزيه بخبرتها لفوزى الشعور بلامبالاتها واحباط همته " فاجئتني بجد, عليك لفتات و حركات مالهاش حل يا فوزي.." مما يعيد رفع درجه الاثارة فى الحوار " وهكذا فى تبادل ناعم متواطىء لاختلاس ما تبقى من ظلال المفاجأه المزعومة، يقلب الموقف تماما " فوزية ممكن تسامحيني؟" "أصيلة والله" وفى تبادل بين الاعتذار والامتنان والتفهم{ يمرر الراوى رسم الوضع الطبقى لشخوصه}( انت زادي و زوادي و دنيتي..) " ضمها الى صدره بشوق (وهو لايزال يحمل حذاءه)" تبادلا الاشتياق بلهفة.. حتى الارتواء (وكان لايزال يحمل حذاءه)" لتنتهى الحركة الثانية
وتبدأ الحركة الثالثة.

فى هذا الحركة الثالثة الذى يبدأ كبداية المشهد الاول ليعيد للمخيلة الانتباه وبهذه العبارة"فى هذه الاثناء كان هناك رجل" هنا ترتبك المخيله بين بقايا أثر الاغواء الاول وظلال الايحاء بالخيانه الزوجية فى (خاطفة سردية) بديعة لتتراوح الرؤية داخل المخيله كبندول بين الحذر من الحيله السابقة والتشكك والتساؤل حتى تأتى كلمة" فى المطبخ يفتح باب الثلاجة" ليتم تطابق الحدث مع الموقع"يفتح باب الثلاجة ثم يندهش لعدم وجود بيضتين وضعهما بيده قبل خلوده للنوم مبكرا كعادته"(وهنا موضع الحيلة الثانية التى أشرنا اليها تلك التى كان يموه عليها بهذا الحذاء " فاتجه ناحية المطبخ ليسكت معدته قليلاً قبل قيامه بمباغتته الموعودة, كان لا يزال يحمل حذاءه.. فتح باب الثلاجة فوجدها خاوية إلا من بيضتين يتيمتين". نلاحظ فى الحركة الثالثة اختفاء الحذاء تماما هناك ارتباط غامض بين فوزي الذى استقبلنا فى بداية النص يختفي فوزي المحاول فوزى" بجد, عليك لفتات و حركات مالهاش حل يا فوزي" الحاضر بحضور الحذاء/الجذمه والحريص على الاورجزمه، الذى يختفى بظهور فوزي الجائع فاقد البيضتين الذى ينهى معنا النص ولكن أختفاء الوسائل يشير الى الجوهر وموطن الاعتبار، ثم تأتى كلمة "كعادته لتزيد الأمر أختلالا فهنا أيضا تتدافع الايحاءات وتتصاعد لتمهد لإرباك كامل للمخيله"أغلق باب الثلاجه" هذا الرجل؟ أنه يتصرف كصاحب مكان ليس متسللا ليس متلصصا، وهو يشتشيط غضبا متمتما: مراتي هاجراني--- هكذا إذن—فوزي منفصلا تماما، فاقدا القدرة على الرؤية و السمع(كيف تنظر في عين أمرأه لا تستطيع حمايتها، كيف تصبح فارسها فى الغرام) فها هو يخرج من غرفة تاركا ظله فيها يفعل ما لم يفعله على الحقيقة—لماذا لم يسمع هذا الملاعبة والمدعابة " بحبك يا فوزية..
بعشقك يا فوزي..
ضمها إلى صدره بشوق و هو لا يزال يحمل حذاءه..
تبادلا الاشتياق بلهفة.. حتى الارتواء
وهو لا يفصله عنهم إلا الجدار، فوزي يدرك الأمور ولكنه عاجز تماما عن القبض على الأسباب أو التعامل معها فوزى يشعر بالمرض بالألم ولكن يجهل مصدرة الحقيقيى، فوزي يدرك ذاته بشكل غامض ولكنه عاجز تماما عن اختراق غيوم هذا الغموض لهذا فهو يسقط الغضب على العائق المباشر، فإذا لم يكن هناك إلا بيضتين فماذا تأكل فوزية؟ فهل تموت فوزية من الجوع؟ انه لايستطيع الابتعاد عن السبب المباشر لانه سوف يواجه نفسه فهل هو عاجز عن ادراك الاسباب أم انه خائف من مواجهة الاسباب او التعامل معها فوزي يستعرض الموقف كله لسنتين ماضيتين ويفهم الموقف كله " مراتي هاجراني بقالها سنتين قلنا ماشي أنا غلطت كتير في حقها و وريتها أيام سوده" ولكن داخل هذا العالم الذى استطاع الراوى فى كلمات قليلة بأعتماده على ما أصبح يحيط بعوالم فوزى المتعدده وعلى خلفية أصداء المركز على الهامش فهناك أحداث ثقيله تلقى بظلالها على المواطن العادى منها المعيشي والاقليمى والعالمى ولكن هذا العالم الداخلي لفوزى الذى يمثل الاغلبية الصامتة قهرا وعجزا وتنظر حولها على لاأحد ولا أفق، هذا التوازن الشفيف بين ما ينهال فوق الرأس وما يمس الجلد والعظم من أحداث الى جانب دائرة المباشر بخشونته وشروط البقاء الممكن وبين ما تدركه الحواس وما تتغافل عنه وما يحدث على الحقيقة ويتم التعامل معه على أنه خيال، هذا التواطىء المقيم، هذا الازدواج/الانفصام الحاد،" الغضب الفاقد الوجهة" كل هذا على المحك كل هذا" التوتر" هل فوزي فى حلم أم كابوس لقد انتزع الواقع قدرة فوزي على أن يحب نفسه انتزع قدرته على الخيال وزلزل أركانه فهو ممتلىء غضبا وفاقد القدرة على الفعل لانه لم يعد يستطيع أن يحلم رغم شدة عزمه هو غير قادر على مجرد" عبور" الغرفة المجاورة لمواجهة الحقيقة/فوزية أيا كانت انتقاما أم غراما أنه يتواطىء مع الغموض لانه لايؤمن بنفسه ولا بأي شىء آخر. لهذ فهو حزين ليس حزن نهاية فيلم أمريكان بيوتى ولكن حزن بداية رواية الغريب لكامي حزن اللامبالى لذا فهو--- أغلق الباب متمتماً بمزيد من اللعنات*


---------
(1) راجع تدوينة فوزى نياهاهاها(الذى أختفى فى ظروف غامضة)
(2) راجع البوسط السابق
(3)الاحالة لكافكا وروايته المسخ (فبطل الرواية بعدما تحول لحشرة متعددة الارجل ،اصبح عليه مواجهة واقع ومنظور مختلف لذاته وللعالم ،ليس واقع الانسان لانه لم يعد كذلك تماما وليس واقع الحشرة لنفس السبب،إذا هو واقع الإنسان الحشرة)
(4) http://uk.news.yahoo.com/25052006/323/philosopher-scientist-farmer-crack-chicken-egg-question.html
http://www.alarabiya.net/articles/2006/05/27/24117.htm


* لقد تم أغفال صوت فوزية فى القراءة فى أنتظارصوت يعبر رؤيتها يوما ما

طاقية فوزي على راس السنه



... المهم فوزي لبس طاقية الإخفا و لف سيجارة و عدّى على القهوة اللي متعود يقعد عليها مع صحابه, و سمع بودنه كلام زي الزفت عمره ما توقع إنه يسمعه من أعز صحابه: فوزي ده شخصية وسخة, ده بني أدم زبالة, ده واد نتن ابن قحبه...... بعد تجاوز الصدمة, فوزي قلع الطاقية و واجههم باللي سمعه, قالوله: محنا عارفين انك كنت لابس طاقية الإخفا و بتراقبنا, هو انت مش ناوي تستحمى يا فوزي؟ فوزي طلّع المسدس من جيب السويتر و طاخ طاخ طاخ خلّص عليهم واحد واحد..... و قبل ما يتعدم بيوم لبس طاقية الإخفا و خرج من السجن بالبدلة الحمرا, و سهر ليلة راس السنه في كباريه محترم, بعدين اشترى ورد و حطه على قبور أصحابه و قعد يبكي لحد ما خلصت دموعه, الوقت كان متأخر و الدنيا كحل و الجو تلج, و باقي عالفجر ساعة.... فوزي حس إنه محتاج يشرب حاجة سخنه, سمع صوت من بعيد بيقوله: تسلفني الطاقية خمس دقايق و تاخد بق شاي يا فوزي؟ فوزي رد: خليهم بقين.. صمت الصوت قليلاً ثم قال: مش حنختلف, إخلص يا فوزي..
فوزي قلع الطاقية, و في لمح البصر اكتشف إن البوليس محاصر المقبرة من كل حته و طاخ طاخ طاخ.... جسم فوزي اتخردق من الرصاص, و تحول لون بدلة الاعدام من الأحمر إلى الأبيض..... غفر الله لنا ذنوبنا و أدخلنا فسيح جناته.

انتهى
.......................................


.......

وبمناسبة طاقية الإخفا تتوارد الأنباء عن تجمع قوى الرابع والعشرين من ديسمبر و مطالبتها بوقفة ومسيرة وتطالب بتحقيق دولي في مقتل فوزي فى حين صرح مصدر غير مسؤول أن رجال الشرطة الذين قتلوا فوزي ليسوا من رجال الشرطة ولكنهم مندسين تنكروا بزي مغاوير الداخلية وأن هناك شك كبير أن يكون فوزى هو الذى قام بجريمة القتل التي حدثت فى المقهى فالمسدس المتحفظ عليه فى جريمة المقهى كان به كاتم للصوت وقد سلمه له السفير فالت-مان شخصيا وهذا يتعارض مع طاخ طاخ طاخ التى وردت فى التحقيق فصوت كاتم الصوت هكذا " دم دم توك " وقد قالها السفير مقربا رأسه من المايك للتوضيح ومضيقا من محاجر عينيه محركا رأسه لأعلى وأسفل ولهذا يرى سفير الدولة العظمى الوحيدة صاحبة أكبر رصيد من العظم والموز يفيض على كل كلاب وقرود المنطقة أن التحقيق الدولي هو السبيل الوحيد لمعرفة الحقيقة كما يحدث دائما فى كل المحاكم الدولية هذا الى جانب أن هناك تقرير يؤكد أن فوزى لم يكن يستخدم طاقية واحدة للإخفا بل أثنتين إلى جانب تنكره وارتدائه السترة الواقية، لهذا يربط بعض المحللين بين جريمة اغتيال فوزى وجريمة الاغتيال الغامضة فى "يوم نزلت من العرش" ويؤكد التقرير أن فوزى لم يكن يسأل عن أي فيل عندما يداعب أصدقاءه والعالمين بسر الطاقية، ولكنه كان يردد قبل أيام من اغتياله بأن من حق أثيوبيا أن تدافع عن نفسها


يوم نزلتُ من العرش




نزلت من بيتي أمس دون ارتداء السترة الواقية من الرصاص, ترجلّت على قدميّ و لم أستقل السيارة المصفّحة, لم يحط بي أحد من المرافقين أو الحرس الخاص..خرجت من بيتي دون موكبٍ يمتد عشرات الأمتار, سرت بين الناس كفرد عادي, لا يميزني عنهم سوى خريطتي الجينيّة, بصمات أصابعي, طريقتي في التدخين, و رغبتي المحمومة في البكاء على كتف أحدٍ ما.. لا أعرفه و لا يعرفني..
لم أتوقف عن السير, لم يزعجني الزحام و الضوضاء و لا رائحة الهواء, كنت أشعر بارتياح و اتزان داخلي افتقدته طوال عمري, لم أشعر بنظرات تخصّني, حتى طريقتي في التدخين لم تسترع انتباه أحد من الكتل البشرية التي كنت أسير بينها, و بالتدريج بدأت أشعر بأنني مجرد جزء من كتلة, يزداد ارتياحي.. و يزداد ارتياحي أكثر كلما أحسست باتساع و امتداد الكتلة التي أنتمي إليها.. بدء هرمون الارتياح يتحول تدريجياً إلى هرمون السعادة.. نعم أشعر الآن بسعادة لا أستطيع وصفها...
أحسست أن" رغبتي المحمومة بالبكاء على كتف أحد ما لا أعرفه و لا يعرفني" قد اقتربت كثيراً من التحقق..
و سبحان الله, في تلك اللحظة التي كنت أردد فيها هذه الرغبة على مسامع احتياجي, لمحتُها على الرصيف المقابل, سمراءَ في أوائل العشرينات, ملامحها هادئة صافية, لا ترتدي حجاباً, كانت تبتسم لي, بادلتها ابتسامة, تركتُ كتلتي, و تركَت كتلتها, التقينا على الجزيرة الرصيفية الضيقة التي تتوسط الشارع الذي كان يفصل بيننا.. لم أشعر للحظة واحدة أننا بحاجة لإلقاء تحية, أو حتى لصفصفة الكلمات.. اقتربتُ منها و اقتربَت مني, احتفظنا بابتسامتينا, و زادت عليهما في عيني و عينها دمعتان لمعتا في زمن واحد, بدا كل شيء و كأنه توقف من حولنا, كأننا مركز جاذبية مجرّة لم تولد بعد.. تسارعت دقات قلبي و تضاعف صداها مع دقات قلبها, كان تزامناً و تآلفاً سحرياً يجعل من خفقتين خفقة, و من دمعتين دمعة, و من ابتسامتين ابتسامة.. يا الله, ما هذا الإبداع, ما أجمل أن يتحقق كل ما أتمناه بهذه السرعة... سأميل برأسي على كتفها, و سأظل أبكي و أبكي, سأظل أبكي على كتفٍ لا أعرفه و لا يعرفني.. سأولد من جديد..
ملت برأسي على كتفها, و مالت برأسها على رأسي.. قبّلت رأسي.. و قبل أن يبدأ طوفان بكائي و طُهري.. شعرتُ بشئ يخترق قلبي, لم يؤلمني كثيراً, لم أشأ الخروج من وهج هذا الحنين, رفعت رأسي لأري ابتسامتها من جديد, لكنها بدت مختلفة هذه المرة.. بدت ابتسامتها تحمل مفردات جديدة, تشبه السخرية, و النقمة, و الكراهية, شعرت بكياني ينتفض, وضجيج الشارع يصم أذني.. و كتل البشر التي كنت أذوب فيها منذ دقيقتين ترتسم على وجهها نفس مفردات ابتسامة السمراء التي كنت أوشك على البكاء على كتفها..
شعرت بالألم الصغير في قلبي يتوحش, يمزّقني..قدماي تعجزان عن حملي.. السمراء تحدّق بي و من حولها تلتحم الكتل جميعاً فتصبح كتلة ضخمة من بشر يحدقون في عيوني, يبتسمون, يتمتمون, و يلعنونني..
امسكت بالسكين, اقتلعته من قلبي, وضعته بجانبي فوق بحر دمائي التي سرى فيها هرمون السعادة و الذي كان يوشك على التحول إلى هرمون الاكتفاء..
ناديتها باسمها: "تعالي يا سمراء", لا زلت أريد البكاء على كتفك..
أجابتني: تعجبني طريقتك في التدخين, ثم جلسَت على ركبتيها... ارتاحت رأسي على كتفها بعد أن عادت ابتسامتها الأولى صافية هادئة..و ظللت أبكي و أبكي و أبكي حتى الموت!

...............................................................


ولكن ما الصورة أذا جاء المعنى؟
جلال الدين الرومى
جميل أن يستطيع النص أن ينفذ من كل آليات المفكر فيه إلى جوانب وزوايا تضيف للرؤية فالسلطة لها أزمتها أيضا، ولها تموضعاتها فى النص كما فى الواقع وأشد، فحتى رجال المطافىء توجد بينهم وبين النار علاقة معرفية فأنت لاتسطيع أن تتفاوض مع من لاتعرف وكما قال المتنبى:
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه--- تصيده الضرغام فيما تصيد
هناك أدبيات تناولت الجانب الآخر من السلطة وأظن وليس كل الظن أثم أن قراءة النص من هذه الزاوية تفصح عن كثير من الحكى ولن تبتعد عن المعنى فبين الخطابات المختلفة وما هو مشترك بينها من خيط الرؤية كما بدا فى "توازن البيان" وأنسداد أفق الحوار فى رصد للغة ميته ومحنطه ومكرره فى الخطاب السياسى الرسمى والمعارض والبين بين هذا الخطاب الذى يرتبط باسباب أزمة الشارع والتجاذبات العشوائية والتى تتعدد قضاياها بدون منهج أو رؤية بديلة كما فى "الشارع بتعنا" الى الافتراء والاعتداء على الاحلام من كهان الكلمات ونجوم التخديرالجدد كما فى "الشيخ سيدأحلام" يأتى هذا النص مستعيرا لغة الحلم فى واقعية مميتة فالمفارقة أن السلطة أيضا لها أزمتها ولكن لايمكن نقاش هذا الا فى حلم فماذا لو رأت القوى القابضة على السلطة أن تلتحم مع الشارع؟ ما الذى يمنعها؟ خارج الحلم ففى داخله سنكون تحت نفوذ تفسيروتأويل الشيخ سيد أحلام
فألى جانب هذا الصوت الذى يبحث عن ذاته التى حجبتها الاجراءات ويرى فى التواصل نوع من الخلاص ، وبين الرغبة فى البكاء والاعتراف صلة قربه ونسب، وهنا تظهر السمراء الغير محجبة كما يفضل الوزير الذى "لبس حجابه" لقد كان اللقاء ملتبس شديد الالتباس فى تجاذب بين الرغبة والأمومة ما يشير الى الهروب من سجن المعنى لهذا فى الصورة والعنوان ما يفصح عن ما يتحاشاه النص "سجن المعنى"
و بين الصورة التى أرى أنها فى النص التدوينى لها خطابها الموازى الذى يلقى بظلاله على النص الى جانب العنوان ويتجلى هذا بوضوح فى هذا النص فإذا كان العنوان يبدوا كبيان من ملك الكتشينه الشايب فيما يبدو الولد فى الظل تحيط به سبعة أوراق ظاهرة منهم خمسة للرقم تسعه قد يكون لذلك معنى عند مفسرى الكتشينه فلها هى الاخرى مجاذيب





فوزي الكلب؟



و بينما كان على وشك إنهاء الأمر..توقف كل شيء عن التحرك ثم انكمش, بعد أن نظرت له وباغتته بعيونها المُحمرّة و الخالية من أي ردود أفعال: إنت ليه ما صلحتش السفون يا فوزي؟
فوزي فضل ثابت على وضعه لبعض الوقت و قد جحظت عيناه استغراباٌ و نقمة, قام من فوق زوجته و لبس بنطلونه و فضل يجري يجري يجري يجري حتى قطع ثلث الكرة الأرضية, فلما شعر بالتعب و أراد الجلوس في ظل شجرة أدرك أنه قد قطع مسافة كبيرة بالفعل, فها هو ذا أسد أفريقي جائع بدأ يقترب منه بعد أن اشتم رائحته التي فاحت بعد كل هذا الركض... فوزي كان في حالة غضب و استبياع جعلته ينقض على ملك الغابة و يعاجله بالركل و الخنق و العض حتى أجهز عليه, و من وقتها احترمته كل حيوانات الغابة و خافت من بطشه و نصبّته ملكاً عليها, و تسابقت زوجات الأسود و النمور و الحُمر الوحشية و الزُراف و الأفيال و أسياد القشطة للتودد إليه و مراودته عن نفسه, فاختار زوجة الأسد الصريع و ضاجعها حتى اقترب من إنهاء الأمر, فبادرها بكل إصرار و عنفوان و حزم شاخراً: مش حصلح سيفونات يا لبوة, فاهمة يا لبوة؟ فهزت رأسها بالموافقة و طالبته بمواصلة ما يفعل, زأر فوزي و هو يقذف ما بداخله, ثم طلب من النعامة أن تأتي له بكوب من الشاي, ثم نام بضع سنين..
طوال سنوات نومه كان السفون في بيته لازال بحاجة للإصلاح, و كانت زوجته لا تتوقف عن لعنه: الله ينتقم منك يا فوزي الكلب, طيب كنت صلّحه قبل ما تغور و تطفش.
...................................



العزيز أبو الليل أسمح لى بالتناص مع هذا النص المبدع على هوامش روايه اسمى أحمر للأورهان باموق

ولكن ما هو رأى السفون

أعرف أن عيونكم اتسعت عندما عرفتم السر وأن السفون له رأى فى الموضوع وأحب أن أطمأنكم أولا فالسفونات لاترى ولاتسمع ولاتتكلم" مثلها تماما مثل المسؤلين المخضرمين" ولكن كما تعلمون لكل قاعدة شواذ فأطمئنوا لامزيد من السفونات الناطقة، وبعيدا عن الأحاديث النرجسية وتاريخ إنبثاق أول سفون وارتباط هذا بشبكات الصرف الصحى وباول منظومة حديثة فى بلاد الأندلس التى كانت النموذج الذى تعلمت منه أوربا ،أقول لكم متسائلا هل تخيل أحدكم أهميتنا؟ هل تعلمون كم مرة نزيح فضلات سيادتكم فى اليوم الواحد ؟ أنظروا حولكم وسوف تعرفون أن القاهرة مدينه تسبح فوق بحر من الخراء نحن أدوات السيطره على شلالاته الهادره، قد يعتقد أحدكم أنى أدلى بشاهدتى لكى أدافع عن فوزيه التى كان فوزى قبل الزواج يهمس لها أنت الفوز الوحيد الذى سعيت طوال عمرى له، فقد أدركت بعد الزواج أشياء كثيره ومرت بمنعرجات ومنحضرات حتى وصل الأمر الى أنها أصبحت اللبوه أقول ليس هذا هو الهدف من شهادتى فقد قام صنع الله أبراهيم فى روايته" ذات" بالدخول فى بعض تفاصيل ذلك ولعله هو الوحيد الذى ( فسر العلاقه بين حجم أليتها وكثرة الجلوس فوق المرحاض) وعل هذا أيضا ما جعل البعض يراه مأفون، والهدف من شهادتى فى الحقيقة أن موضعى فى هذا المكان "الحساس" يتيح لى أن أشاهد وأسمع أشياء "غريبة" فكثير من المواهب التى تصدح على المسارح كنت من سمعها لاول مره لإن موقعى يتح للناس التعرف على ما يملكون من طبقات صوتيه، وكثير من أسرار المراهقه سالت هنا ودموع الحب والهجر ورقصات السعاده أيضا فموضعى أصبح الموضع الوحيد للأنسان العربى الذى يستطيع فيه أن ينفرد بنفسه ويتعرف عليها كما هى تحت ما يسترها من" هدوم وهموم" لذا أزعم أننى فى موقع يسمح لى بالشهادة وربما أنها المرة الأولى التى تسمعون فيها سفون فأننى أحب أن أعترض أولا على شىء قد يبدو هامشى ولكنه نيابة عن كل سفونات البلد فرغم ما نقدمه من خدمه ثقيله وأهميتناالوجودية والسرمدية الا أن المجمع اللغوى لم يعرب أو يشتق لنا أسم رغم أن كل أفاضل المجمع يستعملوننا حتى بين الجلسات بسب مشاكل البرستاتا، ونعود ألان لفوزى "الكلب" فكما تتذكرون هذه الشوطه التى حدثت منذ سنوات عندما ظهر هذا المغنى الشحط وترنم بكلمات نزار قبانى متسنيحا وما حدث من أسهال عاطفى من نساء المحروسه وما صاحب ذلك من أصابات وطلاق وخلافات وكأنها حرب" داحس وعلى الطلاء" ما حدث فى نظرى المحدود بطبيعة موقعى لم يكن بسب افتقار الى الفحوله كما توهم البعض ولكن بسبب كلمات مثل سيدتى ،وعلمنى واخد بالك علمنى حبك و ما شابه ذلك من مشاعر التى أصبحت كالذئبق الأحمر فى الملحوسة وهكذا أصبحت الحياه محاطة بالتفاصيل الخانقة الضاغطةالتى أخرجت تلك الكلمات من دائرة الوعى لتصبح مدعاة للسخرية أن لم يكن الإستنكار والشعور بأن من يحوم حولها ويتلفظها قد أنهبل والعياذ بالله، وقد يقول قائل ولكن مال هذا وفوزى والكلب والأسود والنمور والنعام والحمير وتلك القطعة الفنية الرشيقة من الحكى المثير والسلس، أقول نعم تلك ما يطلقون عليها الموهبه ولكن الموهبة تأتى لتشير ولا تتقوقف لتحكى والموهبةلا تطلق أحكام بقدر ما تثير أفكار وتفعل الرؤا فما أعرفه من موقعى كسفون أن زيارة فتحيه بنت عمت فوزيه بعد قطيعة طويلة والتى كانت سوف تحدث بعد يومين من تلك الحادثه لها علاقه مباشرة بما حدث وهذا يعيدنا لأعوام ماضيه عندما أصرت فوزيه على الزواج من فوزى رغم أعتراض الأهل عل فقره وأنزحته ومنهم أبن عمتها محمود الذى يشتغل مع والده الكسيب وأيضا موقف فوزيه من بنت عمتها فتحيه عندما نصحتها بعدم الزواج من هذا الرجل ذو الصبغة الذى يقترب عمره من عمر أبيهاوالذى أتى محملا بالهديا من الخليج وملوحا بالشقه الفاخرة والعربة الحديثة وعقود العمل وتتذكر ما قالته لفتحيه مما حفظته عن جدتها-- يا وخده القرد على ماله يروح المال ويبقى القرد على حاله--، ولكن ما كان يضغط عليها هو ما حدث بالأمس عندما زارتها جارتها أم حمدتشي وعندما ذهبت لتقدم الواجب ثم فوجئت بأم حمدتشي تزعق منادية لها وكيف كانت أم حمدتشي تلملم نفسها والماء المنساب يحمل الفضلات العائمة الى أرض الحمام وهذا الكسوف الذى فاض عليها بحيث أنها وجدت نفسها فى مساحة بين البكاء والأنفجار فى الضحك، فعدم الصرف السليم يؤدى الى الأنسداد ويبدوا لى أن هذا الكابوس هو ما يسيطر على كيانها فى زيارة فتحيه خاصوصا عندما أتذكر تلك الشهور الأولى التى أصبحت فوزيه تطيل المكوس وأعراض الانتباه وذلك اليوم الذى جلست تتمتم وكانت تبحلق فى وكأنها أكتشفت سرى ولكنى لاحظت أن نظرتها تتخطانى الى اللاشىء ولا زلت اتذكر تلك الكلمات التى تمتمت بها مراجعة ما قالته لفتحية وهى تفكر بما ألة اليه أحوالها ياوخده الحبيب على حبه يروح حبه ويفضلك "--- " بالضبط كده، هذا أذا فضل وعندما علمت أن هذا الموضع منها هو ما تبقى منشود لاغيره لم تجد بد من التشفع من خلاله بعدما تلا شت كل أوراق التوت وبعدما ذهب كل الحاحها أدراج الرياح فلم تكن هى وحدها من يستخدم السفون بعدما يقضى حاجته