يوم أينعت رأسي و حان قطافها



أخبرني بعد أن فجّر رأسي برصاصة واحدة أن الآمر ليس شخصيا, و أنه يقوم بواجبه فحسب, ثم دعاني لتناول العشاء في منزله الذي لا يبعد عن موقع استشهادي سوى بضعة أميال..
حملني إلى سيارته, و مدّد جسدي على المقعد الخلفي, ثم انطلق بنا عبر الشوارع المكتظّة برجال و نساء و صغار فقدوا رؤوسهم مثلي.. طلبت منه أن يرفع صوت المذياع قليلاُ لأتمكن من سماع اسمي ففعل, تنفستُ الصعداء حين نطقت المذيعة - بصوتها الدافئ- اسمي الثلاثي و حين دعت لي و لرفاقي بان يتغمّدنا الله برحمته و ان يسكننا فسيح جنّاته..
وصلنا إلى البناية, حملني مرّة أخرى و صعد بي إلى الطابق الثالث, طلب من زوجته أن تعدّ لنا العشاء, ثم جلسنا نحتسي الشاي, بعد أن شبعت و استعدت عافيتي و اتزاني.. تحدثنا و تسامرنا و ضحكنا حتى وقت متأخر, و حين هممت بالنزول أخبرني بأنني قد أتألم قليلاً حين أفيق من نومي في الصباح, و أن هذا شيء عادي لا يدعو للقلق و لن يستغرق سوى بضع ساعات, فحين فقد و زوجته رأسيهما في الأسبوع الماضي عادت الأمور إلى طبيعتها بسرعة....ناولني مسدسه بعد أن أعاد حشوّه.. شكرتُه و زوجته على كرم الضيافة, غادرت متوجهاً إلى منزلي, فضّلت السير عن استقلال الحافلة, كنت أشعر بكثير من الارتياح بدون رأسي الذي لطالما جثم على عنقي, و لطالما استهلك ميزانيتي على تلك الحبوب المسكّنة التي أدمنتها أخيراً.. ما أجمل ملامسة هواء الليل البارد لجسد لا يحمل رأساً.. قبل أن أخلد للنوم بعد هذا اليوم الحافل... تحسست مسدسي و تأكدت من أنه محشوّ بست طلقات ثم وضعته تحت وسادتي و دعوت الله أن يثبّتني, فغداً ينبغي عليّ أن أقوم ببعض الواجبات..

انتهى
..............................



الشكل والمعنى وفتنة الحكى
قراءة
ولكن ماذا عن الرؤس التى لم تينع و تقطف تحسبا؟
هكذا ---- إذا
الحجاج بن يوسف الثقفي " المبير"
وها هو العنوان مرة أخرى فى تجاذبه مع الصورة ينشىء حقل ملغوم الدلالة فإذا كان ما بين العنوان والصورة ما بين البذر " والأيناع " والقطف فها هو الراوى يعبر فى المساحة الملتهبة بين التغافل والتخادع والخضوع تلك الشعرة الجهنمية التى تتحول فى يد القابض عليها الي حبل مشنقة بينه وبين الناس، وتتحول فى قبضة الراوى إلى جمرة بين واقع المركز الذى تندب فى عينه رصاصة، وصدا الهامش، لهذا فيكفى أن " يقوم بواجبه فحسب ليكون "لاشتشهادى معنى" وأستحق الدعاء المعلن بالرحمة من المذيعة وصوتها "الدافئ"

ابدأت تحصى أضلعك؟
كم من ضلوعك والحصار يضيق
قد وقفت معك؟

فإذا كان تماسك الرؤية يظهر بداهة فى العنوان وشبكة دلالته مع صدى المركز"فها هو الحجاج يقولها مرة أخرى--- وهو فى الرمق الأخير"اللهم أغفر لى فإنهم لا يصدقون ذلك" وهكذا جاء الحقل البصرى بصورة شديد الجاذبية تفعله تركيبة شديدة الرهافة والحرفية يوظف فيها الغياب للحضور فالعربة محجوبة داخل شبكة من القضبان الدموية لتفعل حقل ضوئى ملائم للعنوان وتخفى العلامة بين تماس الصورة والعنوان"أرى الدماء تترقرق بين الرؤس واللحى"
وهكذا فى تلك المساحة للنمو ما بين بذر الرؤية،والأيناع فالصورة الشعار/العربة بين سجنيين أو محبسين سجن القضبان الدموية من الخارج وسجن الضباب/الغيوم الذى يبدوا وكأنه تحول إلى سائل ثقيل شديد اللزوجة وكأنه يمتص الحياة/الحيوية من تلك العربة/الشعار تلك العربة الرشيقة التى هى فى عالمها التدويني كالفراشة المتنقلة كالمهرة العربية الاصيلة تبدوا فى الصورة وقد قهرها الأسروكأنها مريضة ، وفى حين يتعامد العنوان مباشرة مع التاريخ ليجول بنا ويصول فى اروقة الكوفة وواليها الذى تمثل بقول سحيم الوياحي" الجاهلي""أنا أبن جلا ووطلاع الثنايا –متى أضع العمامة تعرفوني" هذا "المبير" الذى نسج له التاريخ بحيرة من الدم القاني كافية "لخلوده" كمؤسس من المؤسسين لبنية القهروالقمع فى الخلافة الإسلامية منذ بداية ظهور الخلافاء غير الراشدين وهم" كثر"، هذا الذى بدا كعلامة فارقة للسيف حين يفصل بين السلطة والناس
------------ -------------------
النص-- بين القطف والقصف
بين الرأس والذيل

آه—من يوقف فى رأسى الطواحين؟
ومن ينزع من قلبى السكاكين؟
ومن يقتل أطفالى المساكين
لئلا يكبروا فى الشقق المفروشة الحمراء
خدامين
مأبونين
قوادين
أمل دنقل/ قصيدة "خاتمة" العهد الآتى

"هكذا والعين تندب فيها رصاصة--- نؤيد سياسة بوش فى العراق" يا أخى-آه
الى متى تتحول هذه الشعرة الى حبل مشنقة بيدهم ولماذا هذا الرخص المهين؟


إذن هو" الوأد" الوأد غير المنحاز " وأخيرا لافرق بين الذكر والانثى" والوأد سببه الخوف من الآتى الخوف من القادم من العوز الإملاق من المستقبل" المستنفذ" وغياب الأمل/ الإيمان تماما" فالوأد هو اليأس المطلق من الجدوى—فالوأد مثل الوجه المحروق متداخل المعالم فلا نستطيع/ نتحمل التحديق فيه،الا بنظرة لا تملك الا الاعتذار عن النظر الإضطرارى،ثم نتجاهل الرأس وننشغل بالأشياء الأخرى "ما أجمل ملامسة هواء الليل البارد لجسد لا يحمل رأساً.."

فإشكالية " هذه الفتنة أنهاغير أى فتنة " أنها عندما تستيقظ فهى كالرصاصة بعد انطلقاها وسطوتها المأساوية تكمن فى انها خارج مملكة الرأس تماما ولا يتحكم فيها حتى من أيقظوها--- بأغواء "هذا" أو أمر ووعيد" ذاك" وحينهاسيتنصل "هذا وذاك" كما حدث مرارا-- أنها الفتنة لاتبقي ولا تذر-- تراها قادمة حسيسة الخطى تتقدمها رياحها الخبيث، وأنت ناظر إليها وكأنها القدر يدب وتقترب خطواطه " لقد أدركت أنها مسالة نسق--- لهذا فهو لم يحتاج لتوضيح أى شىء ولم يبذل أى مجهودلآقناعى بعد أن فعلها" فقد" هو--- أخبرني بعد أن فجّر رأسي برصاصة واحدة أن الآمر ليس شخصيا